أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني، ولم أكن استكرهتهم من قبل على السمع والطاعة، ولكن أتوها طائعين، يبتغون بذلك مرضاة الله، وصلاح الأمة، ومن يكن منهم يبتغي الدنيا فلن ينال منها إلا ما كتب له، فاتقوا الله، فإني لا أرضى لكم أن تنكثوا عهد الله، وإني أنشدكم الله والإسلام ألا تأخذوا الحق ولا تعطوه مني: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء، إلا ما رحم ربي) وإني عاقبت أقواما، وما أبتغي بذلك إلا الخير، وإني أتوب إلى الله من كل عمل عملته، وأستغفره، أما والله لقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل دم امرئ مسلم إلا في إحدى ثلاث: الردة عن الإسلام، والزنا بعد الاحصان، ولا والله ما كان ذلك مني في جاهلية ولا إسلام، أو رجل قتل رجلا فيقاد به (1). فقال بعضهم: إنه ليقول مقالا. وقال آخر: لئن سمعتم منه ليصرفنكم، فأبوا، ورموه بالسهام، واستقبلوه بما لا يستقبل به مثله ، ثم أشرف عليهم عبد الله بن سلام، وكان من أهل الدار، فقال (2): يا معشر من حاصر دار عثمان من المهاجرين والأنصار، ممن أنعم الله عليهم بالإسلام، لا تقتلوا عثمان فوالله إن حقه على كل مؤمن لحق الوالد على ولده، ووالله إن على حوائط المدينة اثني عشر ألف ملك منذ أن أمد الله بهم نبيكم صلى الله عليه وسلم، والله لئن قتلتموه ليسخطن عليكم ربكم، ولتتفرقن ملائكته عنكم وليقتلن بقتله أقواما هم في الأصلاب وما خلقوا في الأرحام وإني لأجده في التوراة التي أنزل الله على موسى عليه السلام، وكتب بيده عز وجل إليكم بالعبراني وبالعربي: خليفتكم المظلوم الشهيد والذي نفسي بيده لئن قتلتموه لا تؤدى بعده طاعة إلا عن مخافة، ولا توصل رحم إلا عن مكافأة، وليقتلن به الرجل ومن في الأصلاب. فقالوا له: أيا يهودي، أشبع بطنك، وكسا ظهرك والله لا ينتطح فيه شاتان، ولا يتنافر فيه ديكان، فقال: أما الشاتان والديكان فصدقتم، ولكن التيسان الأكبر أن يتناطحان فيه فحصبوه ورموه حتى شجوه.
فالتفت إلى عثمان، فقال له: زعموا أنك أشبعت بطني وكسوت ظهري، فاصبر