ولا نصرنا عليه، ولا كتبت فيه إلى أحد سوادا في بياض، وإنك لتعلم أن أباك أبرأ الناس من دمه ومن أمره. فقال له الحسن: دع عنك هذا، والله إني لا أظن، بل لا أشك أن ما بالمدينة عاتق (1) ولا عذراء ولا صبي إلا وعليه كفل من دمه. فقال: يا بني إنك لتعلم أن أباك قد رد الناس عنه مرارا أهل الكوفة وغيرهم، وقد أرسلتكما جميعا بسيفيكما لتنصراه وتموتا دونه، فنها كما عن القتال، ونهى أهل الدار أجمعين. وأيم الله لو أمرني بالقتال لقاتلت دونه، أو أموت بين يديه. قال الحسن: دع عنك هذا، حتى يحكم الله بين عباده يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون.
قال: ثم دخل المغيرة بن شعبة، فقال له علي: هل لك يا مغيرة في الله؟
قال: فأين هو يا أمير المؤمنين؟ قال: تأخذ سيفك، فتدخل معنا في هذا الأمر، فتدرك من سبقك، وتسبق من معك، فإني أرى أمورا لا بد للسيوف أن تشحذ لها، وتقطف الرؤوس بها، فقال المغيرة: إني والله يا أمير المؤمنين ما رأيت عثمان مصيبا، ولا قتله صوابا، وإنها لظلمة تتلوها ظلمات، فأريد يا أمير المؤمنين - إن أذنت لي - أن أضع سيفي وأنام في بيتي حتى تنجلي الظلمة ويطلع قمرها، فنسري مبصرين، نقفو آثار المهتدين، ونتقي سبيل الجائرين.
قال علي: قد أذنت لك، فكن من أمرك على ما بدا لك. فقام عمار فقال: معاذ الله يا مغيرة تقعد أعمى بعد أن كنت بصيرا. يغلبك من غلبته، ويسبقك من سبقته، انظر ما ترى وما تفعل، فأما أنا فلا أكون إلا في الرعيل الأول. فقال له المغيرة: يا أبا اليقظان، إياك أن تكون كقاطع السلسلة، فر من الضحل فوقع في الرمضاء. فقال علي لعمار: دعه، فإنه لن يأخذ من الآخرة إلا ما خالطته الدنيا، أما والله يا مغيرة إنها المثوبة المؤدية، تؤدي من قام فيها إلى الجنة، ولما اختار بعدها، فإذا غشيناك فنم في بيتك. فقال المغيرة: أنت والله يا أمير المؤمنين أعلم مني، ولئن لم أقاتل معك لا أعين عليك، فإن يكن ما فعلت صوابا فإياه أردت، وإن يكن خطأ فمنه نجوت، ولي ذنوب كثيرة، لا قبل لي بها إلا الاستغفار منها (2).