وأن ينزل طلحة والزبير وأصحابهما حيث شاؤوا حتى يقدم علي، فإن اجتمعوا دخلوا فيما دخل فيه الناس، وإن يتفرقوا يلحق كل قوم بأهوائهم، عليهم بذلك عهد الله وميثاقه، وذمة نبيه، وأشهدوا شهودا من الفريقين جميعا. فانصرف عثمان، فدخل دار الإمارة، وأمر أصحابه أن يلحقوا بمنازلهم، ويضعوا سلاحهم وافترق الناس، وكتموا ما في أنفسهم، غير بني عبد القيس، فإنهم أظهروا نصرة علي، وكان حكيم بن جبل (1) رئيسهم، فاجتمعوا إليه، فقال لهم: يا معشر عبد القيس: إن عثمان بن حنيف دمه مضمون، وأمانته مؤداة، وأيم الله لو لم يكن علي أميرا لمنعناه، لمكانته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف وله الولاية والجوار، فاشخصوا بأنصاركم، وجاهدوا العدو، فإما أن تموتوا كراما وأما أن تعيشوا أحرارا. فمكث عثمان بن حنيف في الدار أياما، ثم إن طلحة والزبير ومروان بن الحكم أتوه نصف الليل في جماعة معهم، في ليلة مظلمة سوداء مطيرة وعثمان نائم، فقتلوا أربعين رجلا من الحرس، فخرج عثمان بن حنيف، فشد عليه مروان فأسره، وقتل أصحابه، فأخذه مروان، فنتف لحيته ورأسه وحاجبيه، فنظر عثمان بن حنيف إلى مروان فقال: أما إنك إن تفتني بها في الدنيا، لم تفتني بها في الآخرة (2).
تعبئة الفئتين للقتال وذكروا أنه لما تعبأ القوم للقتال، فكانت الحرب للزبير، وعلى الخيل طلحة، وعلى الرجالة عبد الله بن الزبير، وعلى القلب محمد بن طلحة، وعلى المقدمة مروان (3)، وعلى رجال الميمنة عبد الرحمن بن عبادة (4)، وعلى الميسرة هلال بن وكيع (5)، فلما فرغ الزبير من التعبئة قال: أيها الناس، وطنوا أنفسكم