سمعوا صوتا، فقال علي: ما هذا؟ فقيل: عائشة تلعن قتلة عثمان. فقال علي ورفع بصره إلى السماء: لعن الله قتلة عثمان في السهل والجبل، وقد كان علي عبأ الناس أثلاثا، فجعل مصر قلب العسكر، واليمن ميمنته، وربيعة ميسرته، وعبأ أهل البصرة مثل ذلك، فاقتتل القوم قتالا شديدا، فهزمت يمن البصرة يمن علي، وهزمت ربيعة البصرة ربيعة علي، قال حية بن جهين: نظرت إلى علي وهو يخفق نعاسا فقلت له: تالله ما رأيت كاليوم قط، إن بإزائنا لمائة ألف سيف، وقد هزمت ميمنتك وميسرتك، وأنت تخفق نعاسا، فانتبه ورفع يديه، وقال:
اللهم إنك تعلم أني ما كتبت في عثمان سوادا في بياض، وأن الزبير وطلحة ألبا وأجلبا علي الناس، اللهم أولانا بدم عثمان فخذه اليوم. ثم تقدم علي فنظر إلى أصحابه يهزمون ويقتلون فلما نظر إلى ذلك صاح بابنه محمد ومعه الراية، أن اقتحم، فأبطأ وثبت، فأتى علي من خلفه، فضربه بين كتفيه، وأخذ الراية من يده، ثم حمل، فدخل عسكرهم وإن الميمنتين والميسرتين تضطربان، في إحداهما عمار، وفي الأخرى عبد الله بن عباس، ومحمد بن أبي بكر، قال: فشق علي في عسكر القوم يطعن ويقتل، ثم خرج وهو يقول: الماء الماء، فأتاه رجل بإداوة فيها عسل فقال له: يا أمير المؤمنين، أما الماء فإنه لا يصلح لك في هذا المقام، ولكن أذوقك هذا العسل فقال: هات، فحسا منه حسوة، ثم قال: إن عسلك لطائفي، قال الرجل: لعجبا منك والله يا أمير المؤمنين، لمعرفتك الطائفي من غيره في هذا اليوم، وقد بلغت القلوب الحناجر. فقال له علي: إنه والله يا بن أخي ما ملأ صدر عمك شئ قط، ولا هابه شئ ثم أعطى الراية لابنه، وقال: هكذا فاصنع، فتقدم محمد بالراية ومعه الأنصار حتى انتهى إلى الجمل والهودج وهزم ما يليه، فاقتتل الناس ذلك اليوم قتالا شديدا حتى كانت الواقعة والضرب على الركب وحمل الأشتر النخعي وهو يريد عائشة، فلقيه عبد الله بن الزبير (1)، فضربه، واعتنقه عبد الله فصرعه، وقعد على صدره، ثم نادى عبد الله: اقتلوني ومالكا (2). فلم يدر الناس من مالك فانفلت الأشتر منه،