فلما رأى كعب بن سور الهزيمة، أخذ بخطام البعير، ونادى: أيها الناس، الله الله، فقاتل وقاتل الناس معه، وعطفت الأزد على الهودج، وأقبل علي وعمار والأشتر والأنصار معهم يريدون الجمل فاقتتل القوم حوله، حتى حال بينهم الليل، وكانوا كذلك يروحون ويغدون على القتال سبعة أيام، وإن عليا خرج إليهم بعد سبعة أيام فهزمهم، فلما رأى طلحة ذلك رفع يديه إلى السماء. وقال:
اللهم إن كنا قد داهنا في أمر عثمان وظلمناه فخذ له اليوم منا حتى ترضى، قال:
فما مضى كلامه حتى ضربه مروان ضربة أتى منها على نفسه (1)، فخر وثبتت عائشة، وحماها مروان في عصابة من قيس ومن كنانة وبني أسد، فأحدق بهم علي بن أبي طالب، ومال الناس إلى علي، وكلما وثب رجل يريد الجمل ضربه مروان بالسيف، وقطع يده، حتى قطع نحو عشرين يدا من أهل المدينة والحجاز والكوفة، حتى أتي مروان من خلفه، فضرب ضربة فوقع، وعرقب الجمل الذي عليه عائشة (2). وانهزم الناس، وأسرت عائشة، وأسر مروان بن الحكم وعمرو بن عثمان، وموسى بن طلحة، وعمرو بن سعيد بن العاص، فقال عمار لعلي: يا أمير المؤمنين، اقتل هؤلاء الأسرى. فقال علي: لا أقتل أسير أهل القبلة إذا رجع ونزع. فدعا علي بموسى بن طلحة، فقال الناس: هذا أول قتيل يقتل، فلما أتى به علي قال: تبايع وتدخل فيما دخل فيه الناس؟ قال: نعم. فبايع وبايع الجميع وخلى سبيلهم، وسأل الناس عليا ما كان عرض عليهم قبل ذلك فأعطاه، ثم أمر المنادي فنادى: لا يقتلن مدبر، ولا يجهز على جريح، ولكم ما في عسكرهم وعلى نسائهم العدة، وما كان لهم من مال في أهليهم فهو ميراث على فرائض الله، فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين، كيف تحل لنا أموالهم، ولا تحل لنا نساؤهم ولا أبناؤهم؟ فقال: لا يحل ذلك لكم. فلما أكثروا عليه في ذلك. قال: اقترعوا، هاتوا بسهامكم ثم قال: أيكم يأخذ أمكم عائشة في سهمه؟