فقالوا: نستغفر الله. فقال: وأنا أستغفر الله. قال: ثم إن عليا مر بالقتلى، فنظر إلى محمد بن طلحة وهو صريع في القتلى، وكان يسمى السجاد، لما بين عينيه من أثر السجود. فقال: رحمك الله يا محمد، لقد كنت في العبادة مجتهدا آناء الليل قواما، وفي الحرور صواما، ثم التفت إلى من حوله فقال: هذا رجل قتله بر أبيه فاختلفوا في طلحة وابنه محمد أيهما قتل قبل؟ فشهدت عائشة لمحمد أنها رأته بعد قتل أبيه، فورثوا ولده في مال طلحة. قال: وأتى محمد بن أبي بكر، فدخل على أخته عائشة رضي الله عنها، قال لها: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: علي مع الحق، والحق مع علي؟ ثم خرجت تقاتلينه بدم عثمان، ثم دخل عليهما علي فسلم وقال: يا صاحبة الهودج، قد أمرك الله أن تقعدي في بيتك، ثم خرجت تقاتلين. أترتحلين؟ قالت: أرتحل.
فبعث معها علي رضي الله عنه أربعين امرأة (1)، وأمرهن أن يلبسن العمائم، ويتقلدن السيوف، وأن يكن من الذين يلينها، ولا تطلع على أنهن نساء، فجعلت عائشة تقول في الطريق فعل الله في ابن أبي طالب وفعل، بعث معي الرجال، فلما قدمن المدينة وضعن العمائم والسيوف، ودخلن عليها. فقالت:
جزى الله ابن أبي طالب الجنة. قال: ودفن طلحة في ساحة البصرة (2)، فأتى عائشة (3) في المنام. فقال: حوليني من مكاني، فإن البرد قد آذاني فحولته (4).
وقال عبد الله بن الزبير: أمسيت يوم الجمل وفي بضع وثلاثون بين ضربة وطعنة، وما رأيت مثل يوم الجمل قط، ما ينهزم منا أحد ولا يأخذ أحد منا بخطام الجمل إلا قتل أو قطعت يده، حتى ضاع الخطام من يد بني ضبة، فعقر الجمل. قال:
دخل موسى بن طلحة على علي، فقال علي: إني لأرجو أن أكون أنا وأبوك ممن قال الله فيهم: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين) [الحجر 47] وأمسى علي بالبصرة ذلك اليوم الذي أتاه فيه موسى بن طلحة، فقال ابن الكواء: أمسيت بالبصرة يا أمير المؤمنين؟ فقال: كان عندي ابن أخي. قال: ومن هو؟ قال: موسى بن طلحة. فقال ابن الكواء: لقد شقينا