فلما قدم على معاوية كتاب علي مع الحجاج بن عدي الأنصاري، ألفاه وهو يخطب الناس بدمشق، فلما قرأه اغتم بذلك، وأسره عن أهل الشام، ثم قام الحجاج بن عدي خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أهل الشام، إن أمر عثمان أشكل على من حضره، المخبر عنه كالأعمى، والسميع كالأصم، عابه قوم فقتلوه، وغدره قوم فلم ينصروه (1)، فكذبوا الغائب واتهموا الشاهد وقد بايع الناس عليا على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة عامة، من رغب عنها رد إليها صاغرا داحرا، فانظروا في ثلاث وثلاث، ثم اقضوا على أنفسكم:
أين الشام من الحجاز؟ وأين معاوية من علي؟ وأين أنتم من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بالإحسان؟ قال: فغضب معاوية لقوله وقال: يا حجاج، أنت صاحب زيد بن ثابت يوم الدار؟ قال: نعم، فإن كان بلغك وإلا أحدثك، قال: هات. قال: أشرف علينا زيد بن ثابت، وكان مع عثمان في الدار، وقال:
يا معشر الأنصار، انصروا الله (مرتين)، فقلت: يا زيد، إنا نكره أن نلقى الله فنقول كما قال القوم: (ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا)، فقال معاوية: انصرف إلى علي، وأعلمه أن رسولي على إثرك.
ثم إن معاوية انتخب رجلا من عبس، وكان له لسان، فكتب معاوية إلى علي كتابا عنوانه: " من معاوية إلى علي، وداخله: بسم الله الرحمن الرحيم لا غير ". فلما قدم الرسول دفع الكتاب إلى علي، فعرف علي ما فيه، وأن معاوية محارب له، وأنه لا يجيبه إلى شئ مما يريد، وقام رسول معاوية خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: هل هاهنا أحد من أبنا قيس عيلان، وبني عبس وذبيان؟ قالوا: نعم، هم حولك، قال: فاسمعوا ما أقول لكم، يا معشر قيس، إني أحلف بالله لقد خلفت بالشام خمسين ألف شيخ، خاضبين لحاهم من دموع أعينهم تحت قميص عثمان، رافعيه على الرماح مخضوبا بدمائه، قد أعطوا الله عهدا أن لا يغمدوا سيوفهم، ولا يغمضوا جفونهم، حتى يقتلوا قتلة عثمان، يوصي به الميت الحي، ويرثه الحي من الميت، حتى والله نشأ عليه الصبي، وهاجر عليه الأعرابي، وترك القوم تعس الشيطان، وقالوا: تعسا لقتلة عثمان،