بغداد وولي قضاء الجانب الشرقي فيها اه. وقال ابن قتيبة توفي وهو قاض ببغداد في الجانب الغربي اه وروى الخطيب بسنده عن محمد بن سعد كاتب الواقدي أن الواقدي كان من أهل المدينة وقدم بغداد سنة 180 في دين لحقه فلم يزل بها وخرج إلى الشام والرقة ثم رجع إلى بغداد فلم يزل بها إلى أن قدم المأمون من خراسان فولاه القضاء بعسكر المهدي فلم يزل قاضيا حتى مات ببغداد وروى أيضا بسنده قال الواقدي كنت حناطا بالمدينة في يدي مائة ألف درهم للناس أضارب بها فتلفت الدراهم فشخصت إلى العراق فقصدت يحيى بن خالد فجلست في دهليزه وآنست الخدم والحجاب وسألتهم أن يوصلوني إليه فقالوا إذا قدم الطعام إليه لم يحجب عنه أحد فلما حضر طعامه ادخلوني فاجلسوني معه على المائدة فسألني من أنت وما قصتك فأخبرته فلما رفع الطعام وغسلنا أيدينا دنوت منه لأقبل رأسه فاشمأز من ذلك فلما صرت إلى الموضع الذي يركب منه لحقني خادم معه كيس فيه ألف دينار فقال الوزير يقرأ عليك السلام ويقول لك استعن بها على امرك وعد إلينا في غد فعدت في اليوم الثاني فجرى لي كما جرى في اليوم الأول وكذلك في اليوم الثالث والرابع بعينه وتركني بعد ذلك اقبل رأسه وقال انما منعتك ذلك لأنه لم يكن وصل إليك من معروفي ما يوجب هذا فالآن قد لحقك بعض النفع مني، يا غلام اعطه الدار الفلانية يا غلام افرشها الفرش الفلاني يا غلام اعطه مائتي ألف درهم يقضي دينه بمائة ألف ويصلح شانه بمائة ألف ثم قال لي الزمني وكن في داري فقلت أعز الله الوزير لو أذنت لي بالشخوص إلى المدينة لأقضي الناس أموالهم ثم أعود إلى حضرتك كان ذلك أرفق بي فقال قد فعلت وامر بتجهيزي فشخصت إلى المدينة فقضيت ديني ثم رجعت إليه فلم أزل في ناحيته. وروى بسنده أن الواقدي كان يقول: ما أدركت رجلا من أبناء الصحابة وأبناء الشهداء ولا مولى لهم الا وسألته هل سمعت أحدا من أهلك يخبرك عن مشهده وأين قتل فإذا اعلمني مضيت إلى الموضع فأعاينه ولقد مضيت إلى المريسيع فنظرت إليها وما علمت غزاة الا مضيت إلى الموضع حتى أعاينه ورآه بعضهم بمكة ومعه ركوة فقال أين تريد قال أريد أن امضي إلى حنين حتى ارى الموضع والموقعة.
وقيل للواقدي: الذي يجمع الرجال فيقول حدثنا فلان وفلان ولا يميز حديث واحد من واحد فحدثنا أنت بحديث كل واحد على حدة، قال يطول، قلنا قد رضينا، فغاب عنا جمعة ثم جاءنا بغزوة أحد عشرين جلدا وفي رواية مائة جلد فقلنا له ردنا إلى الأمر الأول. قال الخطيب: وكان الواقدي مع ما ذكر من سعة علمه وكثرة حفظه لا يحفظ القرآن روي أن المأمون قال له أريد أن تصلي الجمعة غدا بالناس فامتنع فقال له لا بد من ذلك فقال لا والله يا أمير المؤمنين ما احفظ سورة الجمعة قال انا أحفظك فجعل المأمون يلقنه إياها حتى يبلغ النصف فإذا حفظه ابتدأ بالنصف الثاني فإذا حفظ الثاني نسي الأول فأتعب المأمون ونعس فقال لعلي بن صالح حفظه أنت ونام المأمون فجعل يحفظه النصف الأول فإذا حفظ النصف الثاني نسي الأول وهكذا فاستيقظ المأمون فقال ما فعلت فأخبرته فقال هذا رجل يحفظ التأويل ولا يحفظ التنزيل اذهب فصل بهم واقرأ اي سورة شئت. واختلف أصحاب الحديث في خبر يروى عن عمر في العمة والخالة فبعضهم رواه عن قيس بن حبة وبعضهم قال انما هو قيس بن جبير فاتوا الواقدي وقالوا نسأله عنه فإنه حافظ فقالوا سلوه ولا تلقنوه فقالوا له حديث روي عن رجل عن عمر في العمة والخالة أ تعرف الرجل من هو فقال قد سمعته من الثوري وهو رجل ليس بمشهور فدعوني أتذكره فاستلقى على قفاه ثم قال هو عن قيس، قالوا ابن من ففكر طويلا وقال قيس بن حبتر لا شك فيه قال ابن خلكان كان المأمون يكرم جانبه ويبالغ في رعايته ونقل هو والخطيب أنه كتب إليه مرة يشكو ضائقة لحقته وركبه بسببها دين وعين مقداره فوقع المأمون منها بخطه: فيك خلتان السخاء والحياء فالسخاء اطلق يدك بتبذير ما ملكت والحياء حملك على أن ذكرت لنا بعض دينك وقد امرنا لك بضعف ما سالت فان كنا قصرنا عن بلوع حاجتك فبجنايتك على نفسك وإن كنا بلغنا بغيتك فزد في بسطة يدك فان خزائن الله مفتوحة ويده بالخير مبسوطة وأنت كنت حدثتني وأنت على قضاء الرشيد أن رسول الله ص قال للزبير يا زبير أن باب الرزق مفتوح بإزاء العرش ينزل الله على العباد أرزاقهم على قدر نفقاتهم فمن قلل قلل له ومن كثر كثر له، قال الواقدي وكنت قد أنسيت هذا الحديث فكان بمذاكرته إياي أحب إلي من جائزته. وعن الواقدي قال أضقت مرة وانا مع يحيى بن خالد البرمكي وحضر عيد فجاءتني جارية فقالت قد حضر العيد وليس عندنا من النفقة شئ فمضيت إلى صديق لي من التجار فعرفته حاجتي إلى القرض فاخرج إلي كيسا مختوما فيه ألف ومائتا درهم فأخذته وانصرفت فما استقررت حتى جاءني صديق لي هاشمي فشكا إلي تأخر غلته وحاجته إلى القرض فدخلت إلى زوجتي فأخبرتها فقالت على اي شئ عزت قلت على أن أقاسمه الكيس قالت ما صنعت شيئا أتيت رجلا سوقة فأعطاك ألفا ومائتي درهم وجاءك رجل له من رسول الله ص رحم ماسة تعطيه نصف ما أعطاك السوقة ما هذا شيئا اعطه الكيس كله فأعطيته إياه ومضى صديقي التاجر إلى الهاشمي وكان له صديقا وسأله القرض فأعطاه الكيس فلما رأى خاتمه عرفه وانصرف إلي فخبرني بالأمر، وجاءني رسول يحيى بن خالد يقول انما تأخر رسولي عنك لشغلي بحاجة أمير المؤمنين فركبت إليه فأخبرته بخبر الكيس فقال يا غلام هات تلك الدنانير فجاءه بعشرة آلاف دينار فقال خذ ألفي دينار لك وألفين لصديقك وألفين للهاشمي وأربعة آلاف لزوجتك فإنها أكرمكم وحكى ابن خلكان هذه القصة نقلا عن المسعودي في مروج الذهب بما يقرب من هذا مع بعض التفاوت. وعن الواقدي أنه قال: صار إلي من السلطان ستمائة ألف درهم ما وجب علي فيها الزكاة اي لم يحل عليها الحول ومات الواقدي وهو على القضاء وليس له كفن فبعث المأمون باكفانه ما يستفاد من مجموع أحواله يستفاد من مجموع ما تقدم أن الواقدي كان من أكابر العلماء وأعاظم الحفاظ والرواة وكان مع هذا العلم والفضل العظيم يضارب بالحنطة في المدينة المنورة اي كان يأخذ من الناس أموالا يتجر بها في الحنطة والربح بينهم وبينه وذلك يدلنا على أن العلماء كانوا لا يأنفون من الكسب وأنه كان سخيا متلافا للمال بدليل أن الستمائة ألف درهم كانت لا تزيد عن نفقة سنة وأنه كانت تحصل له ضائقة مع كثرة ما يصله من المال وأن الأموال كانت تدر من الملوك والوزراء على العلماء في ذلك العصر بما لا مزيد وأن المتعارف في ذلك العصر في التعظيم تقبيل الرأس لا تقبيل اليد وأن الذين كانوا يلون القضاء أعاظم العلماء وأن الواقدي كان ذا همة عالية في التنقيب عن الآثار حتى أنه كان يذهب نفسه إلى محل الوقائع والغزوات التي كان يؤرخها ويشاهدها ويكتب خصوصياتها عن مشاهدة إلى غير ذلك