الكوفة من أبي العباس بن عقدة ولا رأيت في أصحابنا اي البغداديين احفظ من أبي بكر ابن الجعابي وذاك اني حسبته من البغداديين الذين يحفظون شيخا واحدا أو ترجمة واحدة أو بابا واحدا فقال لي أبو إسحاق بن حمزة يوما يا أبا علي لا تغلط في أبي بكر ابن الجعابي فإنه يحفظ حديثا كثيرا فخرجنا يوما من عند أبي محمد بن صاعد وهو يسايرني وقد توجهنا إلى طريق بعيد فقلنا له يا أبا بكر أيش أسند الثوري عن منصور فمر في الترجمة فقلت له أيش عند أيوب السختياني عن الحسن فمر فيه فما زلت اجره من حديث مصر إلى الشام إلى العراق إلى أفراد الخراسانيين وهو يجيب فقلت له أيش روى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وأبي سعيد بالشركة فاخذ يسرد هذه الترجمة حتى ذكر بضعة عشر حديثا فحيرني حفظه قال محمد بن عبد الله فسمعت أبا بكر ابن الجعابي عند منصرفه من حلب وانا ببغداد يذكر فضل أبي علي وحفظه فحكيت له هذه الحكاية فقال يقول هذا القول وهو أستاذي على الحقيقة وروى الخطيب عن أبي علي أيضا وروى عنه أيضا ما رأيت من أصحابنا احرص على العلم منه ثم ذكر ما حاصله أنه ذاكره بأحاديث لعبد الله بن محمد الدينوري فغاب أياما وعاد فسئل فقال لم أصبر عنها فخرجت إلى الدينور فسمعتها وانصرفت ثم قال أبو علي الذي كان انتخبه ابن الجعابي لنفسه على الدينوري كان أحسن من الذي اخذه مني وأن أبا علي قال لابن الجعابي لو دخلت خراسان بعد أن دخلت الدينور فقال لقد هممت بهذا فقلت اذهب إلى العجم فلا يفهمون عني ولا افهم عنهم فهذا الذي ردني ثم حكي عنه مسندا أنه قال دخلت الرقة فكان لي ثم قمطرين كتبا فأنفذت غلامي إلى الذي عنده كتبي فرجع الغلام مغموما فقال ضاعت الكتب فقلت يا بني لا تغتم فان فيها مائتي ألف حديث لا يشكل علي منها حديث لا اسنادا ولا متنا. حدثنا علي بن أبي علي المعدل عن أبيه قال ما شاهدنا احفظ من أبي بكر بن الجعابي وسمعت من يقول أنه يحفظ مائتي ألف حديث ويجيب في مثلها الا أنه كان يفضل الحافظ فإنه كان يسوق المتون بألفاظها وأكثر الحفاظ يتسامحون في ذلك وأن أثبتوا المتن وإلا ذكروا لفظة منه أو طرفا وقالوا وذكر الحديث وكان يزيد عليهم بحفظه المقطوع والمرسل والحكايات والاخبار ولعله كان يحفظ من هذا قريبا مما يحفظ من الحديث المسند الذي يتفاخر الحفاظ بحفظه وكان إماما في المعرفة بعلل الحديث وثقات الرجال من معتليهم وضعفائهم وأسمائهم وانسابهم وكناهم ومواليدهم وأوقات وفاتهم ومذاهبهم وما يطعن به على كل واحد وما يوصف به من السداد وكان في آخر عمره قد انتهى هذا العلم إليه حتى لم يبق في زمانه من يتقدمه فيه في الدنيا حدثني رفيقي علي بن عبد الغالب الضراب قال سمعت أبا الحسن بن رزقويه يقول كان ابن الجعابي يملي مجلسه فتمتلئ السكة التي يملي فيها والطريق ويحضره ابن مظفر والدارقطني ولم يكن الجعابي يملي الأحاديث كلها بطرقها إلا من حفظه.
حدثني الحسن بن محمد الأشقر البخلي قال سمعت القاضي أبا عمرو القاسم بن جعفر الهاشمي غير مرة يقول سمعت الجعابي يقول احفظ أربعمائة ألف حديث وأذاكر بستمائة ألف حديث ثم روى عن بعض أصحاب الحديث أنه قال وعد ابن الجعابي أصحاب الحديث يوما يملي فيه فتعمد ابن المظفر الإملاء في ذلك اليوم والزمني الحضور عنده ففعلت ثم انصرفت من المجلس فلقيني ابن الجعابي وقال لي ذهبت إلى ابن المظفر وتنكبت الطريق التي تؤديك إلى الاستحياء مني فقلت قد كان ذاك فقال كم عدد الأحاديث التي املاها فقلت كذا فقال أيما أحب إليك تذكر اسناد كل حديث وأذكر لك متنه أو تذكر لي متنه وأذكر لك اسناده فقلت بل أذكر المتون فجعلت أقول له روى حديثا متنه كذا فيقول هو عنده عن فلان عن فلان وأقول املى حديثا متنه كذا فيقول حدثكم به عن فلان عن فلان حتى ذكرت له متون جميع الأحاديث وأخبرني بأسانيدها كلها فلم يخطئ في شئ منها قدح علماء أهل السنة فيه في تاريخ بغداد للخطيب: سمعت القاضي أبا القاسم التنوخي يقول: تقلد ابن الجعابي قضاء الموصل فلم يحمد في ولايته ثم حكى عن إبراهيم بن إسماعيل المصري أنه قال كنا بأرجان مع الأستاذ الرئيس أبي الفضل بن العميد في مجلس شرابه ومعنا أبو بكر ابن الجعابي الحافظ البغدادي يشرب فاتي بكأس بعد ما ثمل قليلا فقال لا أطيق شربه فقال الأستاذ الرئيس ولم ذلك فقال لما أقوله:
يا خليلي جنباني الرحيقا * انني لست للرحيق مطيقا فقال الأستاذ ولم وهي تجلب الفرح وتنفي الترح فقال:
غير اني وجدت للكأس نارا * تلهب الجسم والمزاج الرقيقا فإذا ما جمعتها ومزاجي * حرقته بنارها تحريقا سألت أبا بكر البرقاني عن ابن الجعابي فقال حدثنا عنه الدارقطني وكان صاحب غرائب ومذهبه معروف في التشيع قلت قد طعن عليه في حديثه وسماعه فقال ما سمعت فيه الا خيرا سال أبو عبد الرحمن السلمي أبا الحسن الدارقطني عن ابن الجعابي هل تكلم فيه الا بسبب المذهب فقال خلط، وعن أبي الحسن قال لي ثقة من أصحابنا ممن كان يعاشره أنه كان نائما فكتبت على رجله كتابة فكنت أراه إلى ثمانية أيام لم يمسه الماء أقول في تذكرة الحفاظ ثلاثة أيام. وفي تذكرة الحفاظ أيضا:
قال الحاكم للدارقطني يبلغني عن ابن الجعابي أنه تغير عما عهدنا قال وأي تغير قلت بالله هل اتهمته قال اي والله ثم ذكر أشياء قلت وصح لك أنه خلط الحديث وقال اي والله قلت حتى خفت أنه ترك المذهب قال ترك الصلاة والدين قال المسبحي صحب قوما من المتكلمين فسقط عند أهل الحديث. وصل إلى مصر ودخل إلى الاخشيد ثم مضى إلى دمشق فوقفوا على مذهبه فشردوه فخرج هاربا ومر قوله في ميزان الاعتدال أنه فاسق رقيق الدين وله غرائب قال الخطيب أنشدني أبو القاسم عبد الواحد بن علي الأسدي لأبي الحسن محمد بن عبد الله بن سكرة الهاشمي في ابن الجعابي:
ابن الجعابي ذو سجايا * محمودة منه مستطابه رأى الريا والنفاق حظا * في ذي العصابة وذي العصابة يعطي الامامي ما اشتهاه * ويثبت الامر في القرابه حتى إذا غاب عنه انحى * يثبت الامر في الصحابة وإن خلا الشيخ بالنصارى * رايب سمعان أو مرابه قد فطن الشيخ للمعاني * فالغر من لامه وعابه قال المؤلف: الرجل من الجلالة بمكان وذم القوم له مع اعتراف الفريقين بسعة حفظه وكونه من أهل العلم ونقدة الحديث ورواية أجلاء الفريقين عنه واعتراف الطاعن فيه بأنه لم ير في عصره احفظ منه وأنه امام العلل والثقات والضعاف ليس الا لتشيعه لا سيما مع قول البرقاني ما