وفي آخر الجزء الثاني من ديوان الفرزدق المطبوع بالتصوير الشمسي في ألمانيا عن نسخة خطية معربة مشروحة في غاية الاتقان والضبط قديمة جدا ما لفظه:
وقال الفرزدق يمدح علي بن الحسين صلوات الله عليه وعلى آبائه وذكر الأبيات.
ولما كانت الروايات مختلفة اختلافا كثيرا في عدد الأبيات بالزيادة والنقصان فنحن نذكر أولا أكثرها عددا للأبيات ثم نشير إلى باقي الروايات.
وأكثر الروايات عددا للأبيات هي رواية المزرباني. فقد روى القصة بما لا يختلف عن رواية أبي الفرج في الأغاني غير أنه قال إن حج هشام كان في ولاية أبيه ثم ذكر القصيدة وهي هذه:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله * بجده أنبياء الله قد ختموا هذا علي رسول الله والده * أمست بنور هداه تهتدي الأمم إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم الله شرفه قدما وعظمه * جرى بذاك له في لوحه القلم اي الخلائق ليست في رقابهم * لأولية هذا أوله نعم من يشكر الله يشكر أولية ذا * فالدين من بيت هذا ناله الأمم ينمى إلى ذروة العز التي قصرت * عن نيلها عرب الاسلام والعجم يغضي حياء ويغضى من مهابته * فما يكلم الا حين يبتسم في كفه خيزران ريحه عبق * من كف أروع في عرنينه شمم من جده دان فضل الأنبياء له * وفضل أمته دانت له الأمم مشتقة من رسول الله نبعته * طابت عناصره والخيم والشيم ينشق ثوب الدجى عن نور غرته * كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم ما قال لا قط الا في تشهده * لولا التشهد لم ينطق بذاك فم حمال اثقال أقوام إذا فدحوا * حلو الشمائل تحلو عنده نعم عم البرية بالاحسان فانقشعت * عنها العناية والإملاق والعدم كلتا يديه غياث عم نفعهما * يستمطران ولا يعروهما العدم سهل الخليقة لا تخشى بوادره * يزينه اثنان حسن الخلق والكرم لا يخلف الوعد ميمون نقيبته * رحب الفناء أريب حين يعتزم من معشر حبهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجى ومعتصم يستدفع السوء والبلوى بحبهم * ويستدب به الاحسان والنعم مقدم بعد ذكر الله ذكرهم * في كل بدء ومختوم به الكلم إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم لا يستطيع جواد بعد جودهم * ولا يدانيهم قوم وإن كرموا هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت * والأسد أسد الشري والباس محتدم يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم * خيم كريم وأيد بالندى هضم لا ينقص العسر بسطا من أكفهم * سيان ذلك إن اثروا وإن عدموا وليس قولك من هذا بضائره * العرب تعرف من أنكرت والعجم فغضب هشام وامر بحبس الفرزدق بعسفان بين مكة والمدينة وقال والله لأحرمنه العطاء فقال الفرزدق يهجوه:
أ يحسبني بين المدينة والتي * إليها قلوب الناس يهوي منيبها يقلب رأسا لم يكن رأس سيد * وعينا له حولاء باد عيوبها فبعث إليه هشام فأخرجه. ووجه إليه علي بن الحسين ع عشرة آلاف درهم وقال اعذر يا أبا فراس فلو كان عندنا في هذا الوقت أكثر من هذا لوصلناك به، فردها وقال ما قلت ذلك الا لله، وما كنت لأرزأ عليه شيئا، فقال له علي، قد رأى الله مكانك فشكرك ولكنا أهل بيت إذا انفذنا شيئا ما نرجع فيه فاقسم عليه فقبلها.
ولا باس بالإشارة إلى اختلاف الروايات في عددها المشار إليه. ففي رواية الأغاني الأولى اورد منها سبعة أبيات الأول والثاني والخامس والسادس والأخير والثامن والتاسع ولكن بلفظ: من يعرف الله يعرف أولية ذا. وفي ديوان الفرزدق ذكر منها خمسة، الأول والسادس والثاني والتاسع والثامن بلفظ اي القبائل. وفي رواية الأغاني الثانية، الرابع والسادس عشر إلى الحادي والعشرين والسابع والعشرين إلى التاسع والعشرين، وستعرف أن الصحيح كون في كفه خيزران الخ... ويغضي حياء الخ... ليس منها.
واعلم أنه وقع اختلاف أيضا في نسبة هذه الأبيات فبعضهم نسبها إلى الحزين الليثي وبعضهم إلى الفرزدق، وسبب ذلك أن الحزين له أبيات في بعض بني أمية على هذا الوزن وهذه القافية فوقع الاشتباه لذلك فنسيت أبيات الفرزدق إلى الحزين وزيد فيها بعض أبيات الحزين، ومن الرواة من زاد من أبيات الحزين في أبيات الفرزدق ناسبا لها إلى الفرزدق. وهذا كما وقع في أبيات أبي الأسود الدئلي التي رثى بها أمير المؤمنين ع وأبيات أم الهيثم النخعية التي على وزنها وقافيتها في رثائه ع فادخل من إحداهما في الأخرى كما أشرنا إليه في المجالس السنية. قال أبو تمام في الحماسة، قال الحزين الليثي في علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وأورد الأول والخامس والسادس والثامن وزاد فيها البيتين المتقدمين بكفه خيزران و يغضي حياء.
وروى السيد المرتضى في الأمالي بسنده عن الحسين بن محمد بن طالب عن غير واحد من أهل الأدب: أن علي بن الحسين ع حج فاستجهر الناس جماله وتشوفوا له يقولون من هذا؟ فقال الفرزدق:
وأورد الأبيات التي اوردها أبو تمام في الحماسة باسقاط في كفه خيزران.
قال أبو الفرج في الأغاني في اخبار الحزين الديلمي الكناني بسنده أن الحزين دخل على عبد الله بن عبد الملك بالمدينة لما حظ وفي يده قضيب خيزران فقال:
في كفه خيزران ريحه عبق * من كف أروع في عرنينه شمم يغضي حياء ويغضي من مهابته * فما يكلم الا حين يبتسم قال والناس يروون هذين البيتين للفرزدق في أبياته التي يمدح بها علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع التي أولها: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته وهو غلط ممن رواه وليس هذان البيتان مما يمدح به مثل علي بن الحسين ع وله من الفضل المتعالم ما ليس لأحد . ثم قال: ومن الناس من يروي هذه الأبيات لذود بن مسلم أو