مطعم، فقالت له ابنة الحارث: إن أبي قتل يوم بدر، فإن قتلت أحد الثلاثة فأنت حر: إن قتلت محمدا، أو حمزة، أو عليا، فإني لا أرى في القوم كفؤا لأبي غيرهم.
فكمن لحمزة رضي الله عنه إلى صخرة، وقد اعترض له سباع بن عبد العزى (واسم عبد العزى عمرو بن نضلة بن غبشان بن سليم) - وهو ابن أم أنمار - فاحتمله ورمى به وبرك عليه فشحطه شحط (1) الشاة. ثم قام حتى بلغ المسيل فزلت رجله عن جرف، فهز وحشي حربته وضرب بها خاصرة حمزة خرجت من مثانته فلحق بربه. فأتاه وحشي فشق بطنه وأخرج كبده فجاء بها إلى هند بنت عتبة فقال لها:
ماذا لي إن قتلت قاتل أبيك؟ قالت: سلبي (2)! فقال: هذه كبد حمزة! فمضغتها ثم لفظتها، ونزعت ثيابها وحليها فأعطتها وحشيا، ووعدته إذا جاء مكة أن تعطيه عشرة دنانير، وقامت معه حتى أراها مصرع حمزة فقطعت مذاكيره، وجدعت أنفه وقطعت أذنيه، ثم جعلت مسكتين ومعضدين وخدمتين (3) حتى قدمت بذلك مكة وكبده معها.
وفي المسند للإمام أحمد قال: فنظروا فإذا حمزة قد بقرت بطنه، وأخذت هند كبده فلاكتها فلم تستطع أن تأكلها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكلت منها شيئا؟
قالوا: لا. قال: ما كان الله ليدخل من حمزة النار. وفي رواية ابن سعد (4): إن الله قد حرم على النار أن تذوق من لحم حمزة شيئا أبدا. ويروى أن هندا لما أخرجت كبد حمزة لاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها، ثم علت على صخرة مشرفة فصاحت بأعلى صوتها بما قالت من الشعر حين ظفروا بما أصابوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهجاها حسان بن ثابت لما بلغه ذلك من قولها (5).