الفرح. فاستأجر عبد الله بن أريقط الليثي من بني الدئل من بني عبد بن عدي، ليدلهما على الطريق. وخرجا من خوخة (1) في بيت أبي بكر، ومضيا إلى غار بجبل ثور، فلم يصعدا الغار حتى فطرت قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم دما، لم يتعود الحفية ولا الرعية ولا الشقوة (2)، وعادت قدما أبي بكر كأنهما صفوان.
وعمى الله على قريش خبرها فلم يدروا أين ذهبوا. وكان عامر بن فهيرة مولى أبي بكر يريح (3) عليهما غنمه، وكانت أسماء ابنة أبي بكر رضي الله عنها تحمل لهما الزاد إلى الغار، وكان عبد الله بن أبي بكر يتسمع لهما ما يقال عنهما بمكة ثم يأتيهما بذلك.
وجاءت قريش في طلبهما إلى ثور وما حوله، ومروا على باب الغار وحاذت أقدامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه، وقد نسج العنكبوت وعششت حمامتان على باب الغار، وذلك تأويل قوله تعالى: (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها) (4).
وبكى أبو بكر رضي الله عنه وقال: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدميه لرآنا. فقال له: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟.
وعمى الله على قريش، وقد قفا (5) كرز بن علقمة بن هلال بن جريبة (6) بن عبد نهم (7) بن حليل بن حبشية أثر النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى الغار، فرأى عليه نسج العنكبوت، فقال: ها هنا انقطع الأثر، فلم يهتدوا إليهما، ورجعوا فنادوا بأعلى مكة وأسفلها: من قتل محمدا وأبا بكر فله مائة من الإبل.
ويقال: جعلوا لمن جاء بأحدهما أو قتله ديته، فلما مضت ثلاث لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وهما في الغار أتاهما دليلهما، وقد سكن الطلب عنهما ومعهما بعيرهما، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما من أبي بكر رضي الله عنه بالثمن، وقد