مما ناصفهم عليه النواب والعمال وفتح قيسارية من بلاد الروم، وأوقع بالروم والمغول على البلستين بأسا لم يسمع بمثله من دهور متطاولة، واستعاد من صاحب سيس بلادا كثيرة، وجاس خلال ديارهم وحصونهم، واسترد من أيدي المتغلبين من المسلمين بعلبك وبصرى وصرخد وحمص وعجلون والصلت وتدمر والرحبة وتل باشر وغيرها، والكرك والشوبك، وفتح بلاد النوبة بكمالها من بلاد السودان، وانتزع بلادا من التتار كثيرة، منها شيرزور والبيرة، واتسعت مملكته من الفرات إلى أقصى بلاد النوبة، وعمر شيئا كثيرا من الحصون والمعاقل والجسور على الأنهار الكبار، وبنى دار الذهب بقلعة الجبل، وبنى قبة على اثني عشر عمودا ملونة مذهبة، وصور فيها صور خاصكيته وأشكالهم، وحفر أنهارا كثيرة وخلجانات ببلاد مصر، منها نهر السرداس، وبنى جوامع كثيرة ومساجد عديدة، وجدد بناء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين احترق، ووضع الدرابزينات حول الحجرة الشريفة، وعمل فيه منبرا وسقفه بالذهب، وجدد المارستان بالمدينة، وجدد قبر الخليل عليه السلام، وزاد في زاويته وما يصرف إلى المقيمين، وبنى على المكان المنسوب إلى قبر موسى عليه السلام قبة قبلي أريحا، وجدد بالقدس أشياء حسنة من ذلك قبة السلسلة، ورمم سقف الصخرة وغيرها، وبنى بالقدس خانا هائلا بماملا، ونقل إليه باب قصر الخلفاء الفاطميين من مصر، وعمل فيه طاحونا وفرنا وبستانا، وجعل للواردين إليه أشياء تصرف إليهم في نفقة وإصلاح أمتعتهم رحمه الله. وبنى على قبر أبي عبيدة بالقرب من عمتنا مشهدا، ووقف عليه أشياء للواردين إليه، وعمر جسر دامية، وجدد قبر جعفر الطيار بناحية الكرك، ووقف على الزائرين له شيئا كثيرا، وجدد قلعة صفت وجامعها، وجدد جامع الرملة وغيرها في كثير من البلاد التي كانت الفرنج قد أخذتها وخربت جوامعها ومساجدها، وبنى بحلب دارا هائلة، وبدمشق القصر الأبلق والمدرسة الظاهرية وغيرها، وضرب الدراهم والدنانير الجيدة الخالصة على النصح والمعاملة الجيدة الجارية بين الناس، فرحمه الله.
وله من الآثار الحسنة والأماكن ما لم يبن في زمن الخلفاء وملوك بني أيوب، مع اشتغاله في الجهاد في سبيل الله واستخدم من الجيوش شيئا كثيرا، ورد إليه نحوا من ثلاثة آلاف من المغول فأقطعهم وأمر كثيرا منهم، وكان مقتصدا في ملبسه ومطعمه وكذلك جيشه، وهو الذي أنشأ الدولة العباسية بعد دثورها، وبقي الناس بلا خليفة نحوا من ثلاث سنين، وهو الذي أقام من كل مذهب قاضيا مستقلا قاضي قضاة. وكان رحمه الله متيقظا شهما شجاعا لا يفتر عن الأعداء ليلا ولا نهارا، بل هو مناجز لأعداء الاسلام وأهله، ولم شعثه واجتماع شمله. وبالجملة أقامه الله في هذا الوقت المتأخر عونا ونصرا للاسلام وأهله، وشجا في حلوق المارقين من الفرنج والتتار، والمشركين. وأبطل الخمور ونفى الفساق من البلاد، وكان لا يرى شيئا من الفساد والمفاسد إلى سعى في إزالته بجهده وطاقته. وقد ذكرنا في سيرته ما أرشد إلى حسن طويته وسريرته، وقد جمع له كاتبه ابن عبد الظاهر سيرة مطولة، وكذلك ابن شداد أيضا. وقد ترك من