أيام، ثم سار حتى دخل حلب في مستهل ذي القعدة، فأقام بها يوما ورسم لنائب حلب أن يقيم بعسكر حلب على الفرات لحفظ المنائر (1)، وسار السلطان فقطع الدربند (2) في نصف يوم، ووقع سنقر الأشقر في أثناء الطريق بثلاثة آلاف من المغول فهزمهم يوم الخميس تاسع ذي القعدة وصعد العسكر على الجبال فأشرفوا على وطأة البلستين فرأوا التتار قد رتبوا عسكرهم وكانوا أحد عشر ألف مقاتل، وعزلوا عنهم عسكر الروم خوفا من مخامرتهم، فلما تراءى الجمعان حملت ميسرة التتار فصدمت سناجق (3) السلطان، ودخلت طائفة منهم بينهم فشقوها، وساقت إلى الميمنة، فلما رأى السلطان ذلك أردف المسلمين بنفسه ومن معه، ثم لاحت منه التفاتة فرأى الميسرة قد كادت أن تتحطم فأمر جماعة من الامراء بأردافها، ثم حمل العسكر جميعه حملة واحدة على التتار فترجلوا إلى الأرض عن آخرهم، وقاتلوا المسلمين قتالا شديدا، وصبر المسلمون صبرا عظيما، فأنزل الله نصره على المسلمين، فأحاطت بالتتار العساكر من كل جانب، وقتلوا منهم خلقا كثيرا، وقتل من المسلمين أيضا جماعة، وكان في جملة من قتل من سادات المسلمين الأمير الكبير ضياء الدين بن الخطير، وسيف الدين قيماز، وسيف الدين بنجو الجاشنكير (4)، وعز الدين أيبك الثقفي (5)، وأسر جماعة من أمراء المغول، ومن أمراء الروم، وهرب البرواناه فنجا بنفسه، ودخل قيسارية في بكرة الأحد ثاني عشر ذي القعدة (6)، وأعلم أمراء الروم ملكهم بكسرة التتار على البلستين، وأشار عليهم بالهزيمة فانهزموا منها وأخلوها، فدخلها الملك الظاهر وصلى بها الجمعة سابع (7) ذي القعدة، وخطب له بها، ثم كر راجعا مؤيدا منصورا. وسارت البشائر إلى البلدان ففرح المؤمنون يومئذ بنصر الله. ولما بلغ خبر هذه الوقعة أبغا جاء حتى وقف بنفسه وجيشه، وشاهد مكان المعركة ومن فيها من قتلى المغول، فغاظه ذلك وأعظمه وحنق على البرواناه إذ لم يعلمه بجلية الحال، وكان يظن أمر الملك الظاهر دون هذا كله، واشتد غضبه على أهل قيسارية وأهل تلك الناحية، فقتل منهم قريبا من مائتي ألف، وقيل قتل منهم خمسمائة ألف من قيسارية وأرزن الروم، وكان في جملة من قتل القاضي جلال الدين حبيب، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
(٣١٨)