معظما في الدولة شجاعا مقداما، وقد روى عن ابن الليثي وأجاز للبرزالي. قال البرزالي ويقال إنه سم، وذكر غيره أن السلطان الملك الظاهر سمه في كأس خمر ناوله إياه فشربه وقام السلطان إلى المرتفق ثم عاد وأخذ الساقي الكأس من يد القاهر فملأه وناوله السلطان الظاهر والساقي لا يشعر بشئ مما جرى، وأنسى الله السلطان ذلك الكأس، أو ظن أنه غيره لأمر يريده الله ويقضيه، وكان قد بقي في الكأس بقية كثيرة من ذلك السم، فشرب الظاهر ما في الكأس ولم يشعر حتى شربه فاشتكى بطنه من ساعته، ووجد الوهج والحر والكرب الشديد من فوره، وأما القاهر فإنه حمل إلى منزله وهو مغلوب فمات من ليلته. وتمرض الظاهر من ذلك أياما (1) حتى كانت وفاته يوم الخميس بعد الظهر في السابع والعشرين من المحرم بالقصر الأبلق، وكان ذلك يوما عظيما على الامراء، وحضر نائب السلطنة عز الدين أيدمر وكبار الامراء والدولة، فصلوا عليه سرا وجعلوه في تابوت ورفعوه إلى القلعة من السور وجعلوه في بيت من بيوت البحرية إلى أن نقل إلى تربته التي بناها ولده له بعد موته، وهي دار العقيقي تجاه العادلية الكبيرة، ليلة الجمعة خامس رجب من هذه السنة، وكتم موته فلم يعلم جمهور الناس به حتى إذا كان العشر الأخير من ربيع الأول، وجاءت البيعة لولده السعيد من مصر فحزن الناس عليه حزنا شديدا، وترحموا عليه ترحما كثيرا، وجددت البيعة أيضا بدمشق وجاء تقليد النيابة بالشام مجددا إلى عز الدين أيدمر نائبها.
وقد كان الملك الظاهر شهما شجاعا عالي الهمة بعيد الغور مقداما جسورا معتنيا بأمر السلطنة، يشفق على الاسلام، متحليا بالملك، له قصد صالح في نصرة الاسلام وأهله، وإقامة شعار الملك، واستمرت أيامه من يوم الأحد سابع عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين إلى هذا الحين، ففتح في هذه المدة فتوحات كثيرة قيسارية وأرسون ويافا والشقيف وإنطاكية وبغراس (2) وطبرية والقصير وحصن الأكراد وحصن ابن عكار (3) والغرين وصافينا وغير ذلك من الحصون المنيعة التي كانت بأيدي الفرنج، ولم يدع مع الإسماعيلية شيئا من الحصون، وناصف الفرنج على المرقب، وبانياس وبلاد أنطرسوس، وسائر ما بقي بأيديهم من البلاد والحصون، وولى في نصيبه