الدين بن الصلاح الشهرزوري الشافعي في المدرسة الجوانية في جانب المارستان في جمادى الأولى منها. وفيها درس الناصر ابن الحنبلي بالصالحية بسفح قاسيون التي أنشأتها الخاتون ربيعة خاتون بنت أيوب أخت ست الشام.
وفيها حبس الملك الأشرف الشيخ علي الحريري بقلعة عزتا. وفيها كان غلاء شديد بديار مصر وبلاد الشام وحلب والجزيرة بسبب قلة المياه السماوية والأرضية، فكانت هذه السنة كما قال الله تعالى (ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) [البقرة: 155] وذكر ابن الأثير كلاما طويلا مضمونه (1) خروج طائفة من التتار مرة أخرى من بلاد ما وراء النهر، وكان سبب قدومهم هذه السنة أن الإسماعيلية كتبوا إليهم يخبرونهم بضعف أمر جلال الدين بن خوارزم شاه، وأنه قد عادى جميع الملوك حوله حتى الخليفة، وأنه قد كسره الأشرف بن العادل مرتين، وكان جلال الدين قد ظهرت منه أفعال ناقصة تدل على قلة عقله، وذلك أنه توفي له غلام خصي يقال له: قلج، وكان يحبه، فوجد عليه وجدا عظيما بحيث إنه أمر الامراء أن يمشوا بجنازته فمشوا فراسخ، وأمر أهل البلد أن يخرجوا بحزن وتعداد عليه فتوانى بعضهم في ذلك فهم بقتلهم حتى تشفع فيهم بعض الامراء ثم لم يسمح بدفن قلج فكان يحمل معه بمحفة، وكلما أحضر بين يديه طعام يقول احملوا هذا إلى قلج فقال له بعضهم: أيها الملك إن قلج قد مات، فأمر بقتله فقتل، فكانوا بعد ذلك يقولون: قبله وهو يقبل الأرض، ويقول هو الآن أصلح مما كان - يعني أنه مريض وليس بميت - فيجد الملك بذلك راحة من قلة عقله ودينه قبحه الله. فلما جاءت التتار اشتغل بهم وأمر بدفن قلج وهرب من بين أيديهم وامتلأ قلبه خوفا منهم، وكان كلما سار من قطر لحقوه إليه وخربوا ما اجتازوا به من الأقاليم والبلدان حتى انتهوا إلى الجزيرة وجاوزوها إلى سنجار وماردين وآمد، يفسدون ما قدروا عليه قتلا ونهبا وأسرا، وتمزق شمل جلال الدين وتفرق عنه جيشه، فصاروا شذر مذر، وبدلوا بالأمن خوفا، وبالعز ذلا، وبالاجتماع تفريقا، فسبحان من بيده الملك لا إله إلا هو. وانقطع خبر جلال الدين فلا يدرى أين سلك، ولا أين ذهب، وتمكنت التتار من الناس في سائر البلاد لا يجدون من يمنعهم ولا من يردعهم، وألقى الله تعالى الوهن والضعف في قلوب الناس منهم، كانوا كثيرا يقتلون الناس فيقول المسلم: لا بالله، لا بالله، فكانوا يلعبون على الخيل ويغنون ويحاكون الناس لا بالله لا بالله، وهذه طامة عظمي وداهية كبرى، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وحج الناس في هذه السنة من الشام وكان ممن حج فيها الشيخ تقي الدين أبو عمر بن الصلاح، ثم لم يحج الناس بعد هذه السنة أيضا لكثرة الحروب والخوف من التتار والفرنج، فإنا