فجعلوه في تابوت من حديد وربطوه بسلاسل وعلقوه بين جبلين هنالك وأما كتابه الياسا فإنه يكتب في مجلدين بخط غليظ، ويحمل على بعير عندهم، وقد ذكر بعضهم أنه كان يصعد جبلا ثم ينزل ثم يصعد ثم ينزل مرارا حتى يعيى ويقع مغشيا عليه، ويأمر من عنده أن يكتب ما يلقى على لسانه حينئذ، فإن كان هذا هكذا فالظاهر أن الشيطان كان ينطق على لسانه بما فيها. وذكر الجويني أن بعض عبادهم كان يصعد الجبال في البرد الشديد للعبادة فسمع قائلا يقول له إنا قد ملكنا جنكيزخان وذريته وجه الأرض قال الجويني: فمشايخ المغول يصدقون بهذا ويأخذونه مسلما.
ثم ذكر الجويني نتفا من الياسا من ذلك: أنه من زنا قتل، محصنا كان أو غير محصن، وكذلك من لاط قتل، ومن تعمد الكذب قتل، ومن سحر قتل، ومن تجسس قتل، ومن دخل بين اثنين يختصمان فأعان أحدهما قتل، ومن بال في الماء الواقف قتل، ومن انغمس فيه قتل، ومن أطعم أسيرا أو سقاه أو كساه بغير إذن أهله قتل، ومن وجد هاربا ولم يرده قتل، ومن أطعم أسيرا أو رمى إلى أحد شيئا من المأكول قتل، بل يناوله من يده إلى يده، ومن أطعم أحدا شيئا فليأكل منه أولا ولو كان المطعوم أميرا لا أسيرا، ومن أكل ولم يطعم من عنده قتل، ومن ذبح حيوانا ذبح مثله بل يشق جوفه ويتناول قلبه بيده يستخرجه من جوفه أولا. وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين. قال الله تعالى (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) [المائدة: 50] وقال تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) صدق الله العظيم [النساء: 65].
ومن آدابهم: الطاعة للسلطان غاية الاستطاعة، وأن يعرضوا عليه أبكارهم الحسان ليختار لنفسه ومن شاء من حاشيته ما شاء منهن، ومن شأنهم أن يخاطبوا الملك باسمه، ومن مر بقوم يأكلون فله أن يأكل معهم من غير استئذان ولا يتخطى موقد النار ولا طبق الطعام، ولا يقف على أسكفة الخركاه ولا يغسلون ثيابهم حتى يبدو وسخها، ولا يكلفون العلماء من كل ما ذكر شيئا من الجنايات، ولا يتعرضون لمال ميت، وقد ذكر علاء الدين الجويني طرفا كبيرا من أخبار جنكيزخان ومكارم كان يفعلها لسجيته وما أداه إليه عقله وإن كان مشركا بالله كان يعبد معه غيره، وقد قتل من الخلائق ما لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم، ولكن كان البداءة من خوارزم شاه، فإنه لما أرسل جنكيزخان تجارا من جهته معهم بضائع كثيرة من بلاده فانتهوا إلى إيران فقتلهم نائبها من جهة خوارزم شاه، وهو والد زوجة كشلي خان، وأخذ جميع ما كان معهم، فأرسل جنكيزخان إلى خوارزم شاه يستعلمه هل وقع هذا الامر عن رضى منه أو أنه لا يعلم به، فأنكره وقال له فيما