وغربا ودخل الجزيرة وبلاد الروم والعراق وخراسان وما وراء النهر والهند واليمن والحجاز وبغداد، ومدح أكثر أهل هذه البلاد، وحصل أموالا جزيلة، وكان ظريفا شاعرا مطيقا مشهورا، حسن الأخلاق جميل المعاشرة، وقد رجع إلى بلده دمشق فكان بها حتى مات هذه السنة في قول ابن الساعي، وأما السبط وغيره فأرخوا وفاته في سنة ثلاث وثلاثين، وقد قيل إنه مات في سنة إحدى وثلاثين والله أعلم. والمشهور أن أصله من حوران مدينة زرع، وكانت إقامته بدمشق في الجزيرة قبلي الجامع، وكان هجاء له قدرة على ذلك، وصنف كتابا سماه مقراض الاعراض، مشتمل على نحو من خمسمائة بيت، قل من سلم من الدماشقة من شره، ولا الملك صلاح الدين ولا أخوه العادل، وقد كان يزن بترك الصلاة المكتوبة فالله أعلم. وقد نفاه الملك الناصر صلاح الدين إلى الهند فامتدح ملوكها وحصل أموالا جزيلة، وصار إلى اليمن فيقال إنه وزر لبعض ملوكها، ثم عاد في أيام العادل إلى دمشق ولما ملك المعظم استوزره فأساء السيرة واستقال هو من تلقاء نفسه فعزله، وكان قد كتب إلى الدماشقة من بلاد الهند:
فعلام أبعدتم أخا ثقة * لم يقترف ذنبا ولا سرقا؟
أنفوا المؤذن من بلادكم * إن كان ينفى كل من صدقا ومما هجا به الملك الناصر صلاح الدين رحمه الله تعالى:
سلطاننا أعرج وكاتبه * ذو عمش ووزيره أحدب والدولعي الخطيب معتكف * وهو على قشر بيضة يثب ولابن باقا وعظ يغش به الناس * وعبد اللطيف محتسب وصاحب الامر خلقه شرس * وعارض الجيش داؤه عجب وقال في السلطان الملك العادل سيف الدين رحمه الله تعالى وعفا عنه:
إن سلطاننا الذي نرتجيه * واسع المال ضيق الانفاق هو سيف كما يقال ولكن * قاطع للرسوم والأرزاق وقد حضر مرة مجلس الفخر الرازي بخراسان وهو على المنبر يعظ الناس، فجاءت حمامة خلفها جارح فألقت نفسها على الفخر الرازي كالمستجيرة به، فأنشأ ابن عنين يقول:
جاءت سليمان الزمان حمامة (1) * والموت يلمع من جناحي خاطف فرم لواه الجوع حتى ظله * بإزائه [يجري] (2) بقلب واجف