ودعوى وجوب الإجابة عليها للخاص بعد فرض عزمها على أصل النكاح لا دليل عليها، بل السيرة المستمرة على خلافها، وربما كان في تعليق الأمر على رضاها إشارة إلى عدم وجوب الإجابة عليها، والأمر في النصوص (1) السابقة بتزويج من يرضى دينه وخلقه إنما هو للأولياء العرفيين بمعنى عدم مشروعية الامتناع من حيث الحسب والنسب والشرف والغناء والعظمة ونحو ذلك مما كان مستعملا للعرب في الجاهلية، وكذا قوله تعالى (2) (وانكحوا الأيامى) إلى آخرها، أو أن المراد به عدم جواز الامتناع منهم بعد فرض رضا المخطوبة ولو بقرائن الأحوال مع تأدية امتناعه إلى عدم وقوع النكاح، ولو للعادة بعدم استقلال البنت في أمرها رغبا ورهبا في وليها ومنه أو نحو ذلك مما لا يقتضي الوجوب على من بيده عقدة النكاح من الولي، أو المخطوبة من حيث خطبة المؤمن القادر على النفقة.
وكأنه لذلك قال ابن إدريس فيما حكي عنه (3) (روي أنه إذا خطب المؤمن إلى غيره بنته وكان عنده يسار بقدر نفقتها وكان ممن يرضى أفعاله وأمانته ولا يكون مرتكبا لشئ ما يدخل به في جملة الفساق وإن كان حقيرا في نسبه قليل المال فلم يزوجه إياها كان عاصيا لله تعالى مخالفا لسنة نبيه، ووجه الحديث في ذلك أنه إنما يكون عاصيا إذا رده ولم يزوجه لما هو عليه من الفقر والأنفة منه لذلك، واعتقاده أن ذلك ليس بكفو في الشرع، فأما إن رده ولم يزوجه لا لذلك بل الأمر آخر وغرض غير ذلك من مصالح دنياه فلا حرج عليه، ولا يكون عاصيا، فهذا فقه الحديث) ومرجعه إلى ما ذكرنا من معصيته إذا ازدرى بالخاطب أو ضار المخطوبة.
ومن ذلك يعلم ما في المسالك، فإنه بعد أن ذكر أنه هل يعتبر في وجوب الإجابة بلوغ المرأة أم يجب على الولي الإجابة لمن ذكر وإن كانت صغيرة؟ وجهان من إطلاق الأمر وانتفاء الحاجة، والأصل في تخصيص الأولياء بالحكم أنه المجيب