على التزام تلك الطريقة، فيتوقف عن القطع بالبناء المذكور ليتحقق به الاتصال وينتفي معه احتمال الانقطاع. وسيرد عليك في تضاعيف الطرق أغلاط كثيرة نشأت من إغفال هذا الاعتبار عند انتزاع الأخبار من كتب - السلف وإيرادها في الكتب المتأخرة. فكان أحدهم يأتي بأول الإسناد صحيحا لتقرره عنده ووضوحه، وينتهي فيه إلى مصنف الكتاب الذي يريد الأخذ منه، ثم يصل الإسناد الموجود في ذلك الكتاب بما أثبته هو أولا، فإذا كان إسناد الكتاب مبنيا على إسناد سابق، ولم يراعه عند انتزاعه حصل الانقطاع في أثناء السند. وما رأيت من أصحابنا من تنبه لهذا، بل شأنهم الأخذ بصورة السند المذكور في الكتب، ولكن كثرة الممارسة والعرفان بطبقات الرجال تطلع على هذا الخلل وتكشفه، وأكثر مواقعه في انتزاع الشيخ - رحمه الله - وخصوصا روايته عن موسى بن القاسم في كتاب الحج.
ثم إنه ربما كانت تلك الواسطة الساقطة معروفة بقرائن تفيد العلم بها، فلا ينافي سقوطها صحة الحديث إذا كان جامعا للشرائط، فنورده وننبه على الخلل الواقع فيه، وربما لم يتيسر السبيل إلى العلم بها، فلا نتعرض للحديث لكونه خارجا عن موضوع الكتاب، إلا أن يكون معروفا بالصحة في كلام الأصحاب، فربما ذكرناه لننبه على الوجه المنافي للصحة فيه.
ثم اعلم أنه كما كثر الغلط في الأسانيد بإسقاط بعض الوسائط على الوجه الذي قررناه، فقد كثر أيضا بضد ذلك، وهو زيادة بعض الرجال فيها على وجه تزداد به طبقات الرواية لها، ولم أر أيضا من تفطن له، ومنشأ هذا الغلط أنه يتفق في كثير من الطرق تعدد الرواة للحديث في بعض الطبقات، فيعطف بعضهم على بعض بالواو، وحيث إن الغالب في الطرق هو الوحدة، ووقوع كلمة (عن) في الكتابة بين أسماء الرجال فمع الإعجال يسبق إلى الذهن ما هو الغالب، فتوضع كلمة (عن) في الكتابة موضع -