علل به الخصم شاهدا عليه لصاحبه في إثبات ذلك الحكم بعد أن كان شاهدا له، وهذه معارضة فيها مناقضة، لان المطلوب هو الحكم، فالوصف الذي يشهد بإثباته من وجه وينفيه من وجه آخر يكون متناقضا في نفسه، بمنزلة الشاهد الذي يشهد لأحد الخصمين على الآخر في حادثة، ثم للخصم الآخر عليه في عين تلك الحادثة فإنه يتناقض كلامه، بخلاف المعارضة بعلة أخرى فإنه لا يكون فيها معنى التناقض، بل للاشتباه يتعذر العمل إلى أن يتبين الرجحان لأحدهما على الآخر، فأما ما يشهد لك على خصمك وبخصمك عليك في حادثة واحدة في وقت واحد بأنه يتحقق فيه التعارض مع التناقض. وبيان ذلك فيما علل به الشافعي في صوم رمضان بمطلق النية إنه صوم فرض فلا يتأدى إلا بتعيين النية كصوم القضاء. فإنما نقلب عليه فنقول: إنه صوم فرض فبعد ما تعين مرة لا يشترط لأدائه تعيين بنية أخرى كصوم القضاء.
وعلل في سنة التكرار في المسح بالرأس فإنه ركن في الوضوء فيسن تثليثه كغسل الوجه واليدين. فإنا نقلب عليه فنقول: ركن في الوضوء فبعد إكماله بالزيادة على المفروض في محل الفريضة لا يسن تثليثه كالمغسولات، وإقامة الفرض هنا يحصل بمسح الربع وبالاستيعاب يحصل الاكمال بالزيادة على الفريضة في محل الفريضة، كما في المغسولات بالغسل ثلاثا يحصل الاكمال بالزيادة على القدر المفروض وهو الاستيعاب في محل المفروض.
فإن قيل: هذا القلب إنما يتأدى بزيادة وصف، وبهذه الزيادة يتبدل الوصف ويصير شيئا آخر فيكون هذا معارضة لا قلبا. قلنا: نعم في هذا زيادة وصف ولكنها تفسير للحكم على وجه التقرير له لا على وجه التغيير، فإنا نبين بهذه الزيادة أن صوم رمضان لما تعين مشروعا في الزمان وغيره ليس بمشروع كان قياسه من القضاء ما بعد التعيين بالشروع فيه، والاستيعاب في المسح بالرأس لما لم يكن ركنا كان قياسه من المغسولات بعد حصول الاستيعاب ما إذا حصل الاكمال في المغسولات بالزيادة بعد الاستيعاب، فيكون تقريرا لذلك الوصف بهذا التفسير لا تغييرا.