(الثالث) أن العقلاء لا يذمون من عاقب من ارتكب شيئا يعلم أنه أو شئ منه منهي عنه أو ترك ما يعلم أنه أو شئ منه مأمور به، فيستكشف به أن العلم الاجمالي كالتفصيلي حجة بحيث يلزم عقلا الخروج عن عهدته، ولا يجوز مخالفته ولو احتمالا.
وأما جعل البدل الذي قد اشتهر عن الشيخ الأنصاري قدس سره ومن تبعه فإن كان المراد جعله في مرتبة الواقع - ولو بأن يقال: إن هذا الجعل مقيد بالجهل بالواقع - فهو خلاف الفرض، فإن المفروض أن الواقع غير مجهول.
مضافا إلى استلزامه كون البدل والمبدل كليهما واجبين على نحو الترتب كما في كفارة الظهار مثلا.
وإن كان المراد جعل البدل في مقام الظاهر فغير معقول لان الحكم الواقعي مع كونه فعليا لا وجه لجعل الحكم الظاهري الذي هو في فرض كونه حينئذ شأنيا.
وأما ما يتراءى في بعض العبارات من محفوظية مرتبة الحكم الظاهري فلا يكون العلم علة تامة، فمدفوع، بأن مقتضى الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي كما سيجئ إن شاء الله بأي نحو كان هو كون الحكم الواقعي شأنيا لا فعليا، والظاهري فعليا لا شأنيا، والمفروض في المقام أنه فعلي تعلق العلم به، فلا تكون مرتبته محفوظة.
هذا كله إذا ثبت الحكم المردد بالعلم.
وأما إذا ثبت بالحجة الاجمالية من عموم أو إطلاق أو استصحاب أو غيرها من الأدلة الظاهرية فيمكن أن يقال حينئذ بتعارضها مع أدلة الأصول.
فإذا ورد: (لا تشرب الخمر) مثلا الشامل بإطلاقه للخمر المردد بين الإناءين ورد أيضا (كل شئ لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه) أو (كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه) (1) الشامل بعمومه للمردد المذكور فيمكن أن يقال: بتعارض الحجتين.