ولذا لم نقل بجريان البراءة العقلية في الشبهات الموضوعية، فإن العقلاء لا يذمون من عاقب شارب الخمر الواقعي مع جهله بأنه خمر، لان حكم الخمر قد تبين بقوله مثلا: (الخمر حرام).
والحاصل: أن إثبات حكم كلي يكفي فيه صدور ذلك الحكم الكلي من الشارع ولو لم يحرز المصاديق، ويشهد على ذلك إجراء الاستصحاب في الموارد المشكوكة ليثبت به الحكم وجودا وعدما، فلو لم يكن الدليل الأولي كافيا لما كان للاستصحاب وجه.
إن قلت: مقتضى الأصل العقلائي تطابق الإرادة الاستعمالية للإرادة الجدية في الموارد المشكوكة فيتمسك به فيها، قلت: كلا. فإنك إن أردت تطابقها بحسب الواقع بالنسبة إلى هذا الفرد المشكوك بمعنى كون زيد العالم المشكوك فسقه وعدالته واجب الاكرام واقعا بعنوان أنه عالم، فهو خلاف المفروض، لأن المفروض خروج الفاسق الواقعي عن تحت هذا العام واقعا.
وإن أردت أن الفرد المشكوك يحكم بحسب الظاهر بأنه واجب الاكرام بعنوان أنه مشكوك الفسق والعدالة بحيث يكون لقيد المشكوكية دخل في ثبوت هذا الحكم، فاللازم كون هذا الفرد موضوعا وحكما مخالفا لسائر الافراد الواقعة تحت العام، وهو محال لان الدليل الواحد لا يمكن أن يكون دالا على حكمين مختلفين في الرتبة بحيث يكون أحدهما وجودا موقوفا ومترتبا على الاخر.
فإن قلت: إن قول المولى: (أكرم كل رجل عالم) يدل على أمرين: أحدهما عموم الافراد بالوضع، وثانيهما عموم الحالات بالاطلاق، فيدل على وجوب إكرام زيد العالم على أي حال من الأحوال ومن الحالات كونه مشكوك الفسق والعدالة، فمقتضى الاطلاق الحالي جواز التمسك بالعام في الافراد المشكوكة.
قلت: هذا الاشكال لعله نشأ من عدم تبين معنى الاطلاق، فإن معناه كون موضوع الحكم غير مقيد بقيد من القيود في حال من الحالات، ففي المقام مثلا هو،