كان الثاني هو المتعين لأنه المتيقن.
إذا عرفت ذلك فنقول: ان القسم الأول من التخيير غير جار في المقام، لعدم الدليل عليه كما هو واضح، وكذا القسم الثاني، لأن المكلف في مورد العلم الاجمالي قادر على الامتثال القطعي بالاجتناب عن جميع الأطراف. نعم التخيير في الخبرين المتعارضين على مسلك المعتزلة من باب التخيير في باب التزاحم إلا أنه مع بطلانه في نفسه أجنبي عن التخيير في باب الأصول العملية. وأما القسم الثالث فربما يتوهم جريانه في المقام، بدعوى ان مقتضى اطلاق أدلة الأصول هو ثبوت الترخيص في كل واحد من أطراف العلم الاجمالي. وقد علمنا من الخارج استحالة هذا الجعل، لاستلزامه الترخيص في مخالفة التكليف الواصل، فيدور الامر بين رفع اليد عن الترخيص في جميع الأطراف ورفع اليد عن اطلاقه، بأن يقيد الترخيص في كل طرف بما إذا لم يرتكب الطرف الآخر وقد عرفت ان المتعين هو الثاني، فتكون النتيجة هي التخيير في تطبيق الترخيص على اي طرف من الأطراف وقد وقع نظير هذا التوهم في تعارض الامارتين، فتوهم ان مقتضى القاعدة هو رفع اليد عن اطلاق دليل الحجية بالنسبة إلى كل منهما، فتثبت الحجية تخييرا.
ورده المحقق النائيني (ره) بأن التقابل بين الاطلاق والتقييد من تقابل العدم والملكة، فاستحالة الاطلاق يستدعي استحالة التقييد وبالعكس، وحيث إن الاطلاق في محل الكلام ممتنع ثبوتا، فامتنع التقييد أيضا.
وفيه أن استحالة الاطلاق يستلزم ضرورة التقييد، لما ذكرناه مرارا من أن الاهمال بحسب مقام الثبوت غير متصور، فلا مناص من الاطلاق أو التقييد وكون التقابل بينهما من تقابل العدم والملكة لا يقتضي استلزام استحالة الاطلاق استحالة التقييد، ألا ترى ان استحالة الجهل له تعالى لا تستلزم استحالة العلم