و (ثانيا) - انه على تقدير التنزل وتسليم ان المراد منه الموجود الخارجي نلتزم بالاستخدام في الضمير في قوله عليه السلام فيه حلال وحرام، فيكون المراد ان كل موجود خارجي في نوعه حلال وحرام فهو لك حلال، حتى تعرف الحرام منه بعينه. والقرينة على هذا الاستخدام هو نفس التقسيم، باعتبار أن الموجود الخارجي غير قابل للتقسيم، فلا محالة يكون المراد انقسام نوعه، فتكون الرواية مختصة بالشبهات الموضوعية.
ومن جملة الروايات التي استدل بها على البراءة قوله عليه السلام: (الناس في سعة ما لا يعلمون) والاستدلال به مبني على أن كلمة ما موصولة، وقد أضيفت إليها كلمة سعة، فيكون المعنى ان الناس في سعة من الحكم المجهول، فمفاده هو مفاد حديث الرفع، ويكون حينئذ معارضا لأدلة وجوب الاحتياط على تقدير تماميتها. واما إن كانت كلمة ما مصدرية زمانية، فلا يصح الاستدلال به على المقام، إذا المعنى حينئذ ان الناس في سعة ما داموا لم يعلموا، فمفاد الحديث هو مفاد قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وتكون أدلة وجوب الاحتياط حاكمة عليه، لأنها بيان. والظاهر هو الاحتمال الأول، لأن كلمة ما الزمانية - حسب الاستقراء - لا تدخل على الفعل المضارع، وإنما تدخل على الفعل الماضي لفظا ومعنى أو معنى فقط، ولو سلم دخلوها على المضارع أحيانا لا ريب في شذوذه فلا تحمل عليه الا مع القرينة، نعم لو كان المضارع مدخولا لكلمة لم، لكان للاحتمال المذكور وجه، باعتبار كون الفعل ماضيا بحسب المعنى، فالصحيح دلالة الحديث على البراءة. وباطلاقه يشمل الشبهات الحكمية والموضوعية.
وظهر بما ذكرناه ان ما افاده المحقق النائيني (ره) - من ترجيح الاحتمال الثاني وعدم دلالة الحديث على البراءة - خلاف التحقيق، ولكن الذي يسهل الامر ان الحديث مرسل لا يصح الاعتماد عليه، بل لم يوجد في كتب الاخبار