العموم فيهما بالوضع وكان أحدهما موافقا لظاهر الكتاب أو مخالفا للعامة تعين الاخذ به بمقتضى رواية الراوندي الدالة على كون موافقة الكتاب ومخالفة العامة من المرجحات في الخبرين المتعارضين، فلا يمكن الرجوع إلى الأصل العملي. وعليه فالمناسب بل المتعين إدخال تعارض الدليلين بجميع صوره في بحث البراءة، إلا صورة واحدة وهي ما إذا كان التعارض بين الخبرين بالتباين أو بالعموم من وجه. مع كون العموم فيهما بالوضع، وكان أحدهما راجحا على الآخر بموافقة الكتاب أو بمخالفة العامة.
(الامر الرابع) - ان النزاع المعروف بين الأصوليين والأخباريين في مسألة البراءة انما هو في الصغرى وفي تمامية البيان من قبل المولى وعدمه. وأما الكبرى - وهي عدم كون العبد مستحقا للعقاب على مخالفة التكليف مع عدم وصوله إلى المكلف - فهي مسلمة عند الجميع، ولم يقع فيه نزاع بين الأصوليين والأخباريين، كيف؟ وإن العقاب على مخالفة التكليف غير الواصل من أوضح مصاديق الظلم، وقد دلت الآيات والروايات على أن الله سبحانه وتعالى لا يعاقب إلا بعد البيان، لئلا يكون للناس على الله حجة، بل له الحجة البالغة.
(وبالجملة) - عدم استحقاق العقاب في فرض عدم البيان مما لم ينكره ولن ينكره عاقل، انما الخلاف بين الأصوليين والأخباريين في الصغرى، حيث ذهب أصحابنا الأخباريون إلى تمامية البيان، وقيام الحجة على التكاليف الواقعية لوجهين: (الأول) - العلم الاجمالي بثبوت التكاليف وهو يقتضى الاحتياط (الثاني) - الأخبار الكثيرة الدالة على التوقف عند الشبهة، وعلى الاحتياط في المشتبهات، وعليه فالذي يناسب بحث البراءة هو البحث عن الصغرى والتعرض لهذين الوجهين، واثبات ان العلم الاجمالي بثبوت التكاليف قد انحل بما عثرنا عليه من الاحكام التي دلت عليها الاخبار، على ما أشرنا إليه غير مرة، وإثبات ان