وجوب الاحتياط طريقي، بمعنى أن وجوبه انما هو للتحفظ على ملاك الحكم الواقعي، فان صادف الواقع فلا محذور فيه أصلا إذا لا تعدد في الحكم ليلزم اجتماع المثلين، بل الحكم واحد ناشئ من ملاك واحد، انما التعدد في الانشاء والابراز، فقد أبرزه المولى (تارة) بعنوان وجوب الصلاة مثلا، و (أخرى) بعنوان وجوب الاحتياط وان لم يصادف الواقع، فلا وجوب للاحتياط حقيقة ليلزم التضاد بينه وبين الترخيص الواقعي، إذ وجوب الاحتياط انما هو للتحفظ على ملاك الحكم الواقعي، ففي فرض مخالفته للواقع لا وجوب له حقيقة، بل وجوب الاحتياط حينئذ تخيلي، بمعنى ان المكلف يتخيل وجوبه ولا وجوب له حقيقة. واما البراءة فمع مصادفتها للترخيص الواقعي فلا محذور فيها أصلا، كما تقدم في الاحتياط، ومع مخالفتها للواقع لا يلزم التضاد، لعدم كونها في مرتبة واحدة كما تقدم.
ثم إنه (ره) اكد كلامه بأن الشك له اعتباران: (أحدهما) - كونه صفة نفسانية (ثانيهما) - كونه موجبا لتحير المكلف، والمأخوذ في موضوع الاحكام الظاهرية هو الاعتبار الثاني. ويمكن ان لا يكون للأحكام الواقعية اطلاق بالنسبة إلى حال الحيرة، فلا يكون هناك حكم واقعي حتى يقع التضاد بينه وبين الحكم الظاهري. هذا ملخص كلامه زيد في علو مقامه.
أقول اما ما ذكره في الامارات - من أنه ليس المجعول فيها الا الطريقية والكاشفية، فلا يكون هناك حكم تكليفي حتى يلزم اجتماع الضدين - فمتين جدا وكذا ما ذكره في الأصول المحرزة: من أن المجعول فيها الطريقية من حيث الجري العملي فقط، بل نقول الأصول المحرزة أمارات عند التحقيق على ما ذكرناه في محله ولا ينافي ذلك تقدم الامارات عليها، إذ الامارات أيضا يتقدم بعضها على بعض فان البينة تتقدم على اليد، وحكم الحاكم مقدم على البينة، والاقرار مقدم على