أقول: قد عرفت أن المحكي بالمادة ليس إلا نفس الحدث وطبيعة المعنى (1)، ولما كانت هي مقرونة بخصوصية أو خصوصيات في الوجود - من الزمان، والمكان، والفاعل، والمفعول، والاسم الذي وقعت فيه، وهكذا من الاشتداد، والضعف، والكثرة، والوحدة - فلا بد من حكايتها بأمر آخر غير ما دل على أصل الطبيعة.
فعندئذ تارة: يتوسل إلى الوضع الشخصي، فيلاحظ الطبيعة مع كل واحدة من تلك الخصوصيات، فيوضع بإزائها لفظ، فيكون جميع الألفاظ جامدات. وهذا خلاف ما بنوا عليه من الوضع النوعي في هذه المواقف (2).
وأخرى: يتوسل إلى الوضع النوعي، فتوضع الهيئات الخاصة والأشكال والأطوار المخصوصة، للدلالة على تلك الخصوصية، وعندئذ لا بد من الالتزام بتعدد المعنى، والموضوع له، والدلالة، والاستعمال، وهكذا.
ولكن تعدد هذه الأمور فيما نحن فيه، ليس على نعت التفصيل والتفكيك، بحيث يفهمه العرف والعادة، بل المتبادر من اللفظ المتخصص بهيئة، هو المعنى المتخصص بخصوصية، بحيث يتوهم الوضع الشخصي بين اللفظ المزبور مع المعنى المذكور.
ولولا الاتفاق وحكم الوجدان على ممنوعية الوضع الشخصي، كان القول بالوضع المزبور أقرب إلى فهم الناس، فيكون ما نحن فيه من قبيل وضع آلاف لغة مثلا للناقة، فإن هذا ليس إلا بلحاظ الخصوصيات الزائدة على أصل الطبيعة، وقد اخذت تلك الخصوصية في الموضوع له، فصارت الناقة ذات لغات كثيرة بالوضع