دليل على أن المعاني الحرفية ليست إلا واقعيات في عالم المفهوم (1)، فاسد جدا، لما أشير إليه.
ولو كان الإطلاق والاستعمال دليلا عليه، لكان يلزم من صحة استعمال قضية " البصرة موجودة " عدم أصالة الوجود، ويستلزم كون الوجود في المفاهيم الذهنية، ضرورة عدم الوجود المخصوص بالبصرة، لأنها من المؤلفات الاعتبارية، فلا ينبغي الخلط بين الحقائق والاعتباريات، وبين الإطلاقات المبنية على الحقيقة الأولية والثانوية.
وتوهم لزوم الاشتراك اللفظي بين الحروف المستعملة في المركبات التي تكون المعاني الحرفية قائمة بها، وبين البسائط، أو لزوم المجاز، في غير محله، لأن تلك الأدوات موضوعة للابتداء والانتهاء على الوجه الذي عرفت (2)، من غير أخذ خصوصية المستعمل فيه فيها، من كونه معنى واقعيا، بل هي موضوعة للابتداء، وهو بذاته ذو حيثية خارجية في هذه النشأة وذو حيثية اعتبارية في البسائط، واختلاف المصاديق في الحقيقة، لا يستلزم عدم إمكان الجامع المقصود في باب الوضع والألفاظ.
ومما ذكرنا يظهر صحة قول المولى لعبده: " سر من البصرة إلى الكوفة " فإن الابتداء هنا اعتباري، لا واقعي، وإذا تحقق السير فللابتداء مصداق خارجي واقعي، ولذلك يمكن قبل تحققه دعوى أن الحد في العبارة للمحدود، لا للامتثال، ولكنه بعدما تحقق لا يمكن قلبه بالضرورة، فما هو مبدأ السير لا ينقلب عما هو عليه، كما لا يخفى.