من الضد إلى الضد، فإنه ليس " الأسود " موضوعا للأبيض، مع دلالته وسببيته للانتقال، وهذه الحروف - على ما يحللها الوجدان - ليست إلا عناوين، وليست لها الحكاية عن شئ، ولا إيجاد الشئ بل الأمر الكلي المعتبر عند العقلاء - على ما عرفت (1) - ينطبق بإلقاء هذه الأدوات.
وإن شئت قلت: إن لجميع هذه المعاني الاسمية، محكيات خارجية وحيثيات في نفس الأمر شاغلة للعين، ومعاني اعتبارية اخذت منها واعتبرت:
فما كان من قبيل الأول، تكون تلك الحروف بالنسبة إليها حاكيات.
وما كان من قبيل الثاني، تكون الحروف بالنسبة إليها موجدات، بمعنى أن تلك المعاني - على نعت الكلي - اعتبرت عقيبها، من غير استعمالها فيها، بل هو أمر آخر، وهو الإلقاء قبال الاستعمال. وسيتضح لك حقيقة الإلقاء والاستعمال في الأمور الآتية إن شاء الله تعالى (2).
فما قيل: " من أن الحروف كلها حاكيات " (3) أو " كلها موجدات " (4) أو " بعضا منها حاكيات، وبعضها موجدات " (5) كله الغفلة والذهول، بل الحروف كلها حاكيات، فيما كانت المعاني المستعمل فيها معانيها الأولية والواقعية، وكلها موجدات، فيما كانت المعاني المستعمل فيها اعتبارية، كاعتبار الابتداء في المبدأ الأعلى، أو في الزمان، واعتبار المظروفية له تعالى وهكذا، فلا تخلط.
فما قد يتوهم: من أن صحة استعمال الأدوات في المجردات والبسائط الخارجية - كقولنا: " من يوم السبت إلى الخميس " أو " من العشرة إلى العشرين " -