غاية للنظر، وذلك يوجب الفرق بين النظر والرؤية الرابع: يقال: دور فلان متناظرة، أي متقابلة، فمسمى النظر حاصل ههنا، ومسمى الرؤية غير حاصل الخامس: قوله الشاعر: وجوه ناظرات يوم بدر * إلى الرحمن تنتظر الخلاصا أثبت النظر المقرون بحرف إلى مع أن الرؤية ما كانت حاصلة السادس: احتج أبو علي الفارسي على أن النظر ليس عبارة عن الرؤية، التي هي إدراك البصر، بل هو عبارة عن تقليب الحدقة نحو الجهة التي فيها الشيء الذي يراد رؤيته، لقول الشاعر: فيا مي هل يجزي بكائي بمثله * مرارا وأنفاسي إليك الزوافر وأنى متى أشرف على الجانب الذي * به أنت من بين الجوانب ناظرا قال: فلو كان النظر عبارة عن الرؤية لما طلب الجزاء عليه، لأن المحب لم يطلب الثواب على رؤية المحبوب، فإن ذلك من أعظم مطالبه، قال: ويدل على ذلك أيضا قول الآخر: ونظرة ذي شجن وامق * إذا ما الركائب جاوزن ميلا والمراد منه تقليب الحدقة نحو الجانب الذي فيه المحبوب، فعلمنا بهذه الوجوه أن النظر المقرون بحرف إلى ليس اسما للرؤية السابع: أن قوله: * (إلى ربها ناظرة) * معناه أنها تنظر إلى ربها خاصة ولا تنظر إلى غيره، وهذا معنى تقديم المفعول، ألا ترى إلى قوله: * (إلى ربك يومئذ المستقر) * (القيامة: 12) إلى ربك يومئذ المساق) * (القيامة: 30) * (ألا إلى الله تصير الأمور) * (الشورى: 53) * (وإليه ترجعون) * (البقرة: 8) * (وإلى الله المصير) * (آ ل عمران: 28) * (عليه توكلت وإليه أنيب) * (الشورى: 10) كيف دل فيها التقديم على معنى الاختصاص، ومعلوم أنهم ينظرون إلى أشياء لا يحيط بها الحصر، ولا تدخل تحت العدد في موقف القيامة، فإن المؤمنين نظارة ذلك اليوم لأنهم الآمنون الذين * (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * (يونس: 62) فلما دلت الآية على أن النظر ليس إلا إلى الله، ودل العقل على أنهم يرون غير الله، علمنا أن المراد من النظر إلى الله ليس هو الرؤية الثامن: قال تعالى: * (ولا ينظر إليهم يوم القيامة) * (آل عمران: 77) ولو قال: لا يراهم كفي، فلما نفى النظر، ولم ينف الرؤية دل على المغايرة، فثبت بهذه الوجوه، أن النظر المذكور في هذه الآية ليس هو الرؤية.
المقام الثاني: في بيان التأويل المفصل، وهو من وجهين الأول: أن يكون الناظر بمعنى المنتظر، أي أولئك الأقوام ينتظرون ثواب الله، وهو كقول القائل، إنما أنظر إلى فلان في حاجتي والمراد أنتظر نجاحها من جهته، وقال تعالى: * (فناظرة بم يرجع المرسلون) * (النمل: 35) وقال: * (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) * (البقرة: 280) لا يقال: النظر المقرون بحرف إلى غير مستعمل في معنى الانتظار، ولأن الانتظار غم وألم، وهو لا يليق بأهل السعادة يوم القيامة، لأنا نقول: الجواب: عن الأول من وجهين الأول: النظر المقرون بحرف إلى قد يستعمل بمعنى الانتظار، والتوقع والدليل عليه أنه يقال: أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي، والمراد منه التوقع والرجاء، وقال الشاعر:
وإذا نظرت إليك من ملك * والبحر دونك زدتني نعما