وخشب، ومدرة ومدر. وهي قراءة ابن عباس، والتثقيل لغة أهل الحجاز، والخشب لا تعقل ولا تفهم، فكذلك أهل النفاق كأنهم في ترك التفهم، والاستبصار بمنزلة الخشب. وأما المسندة يقال: سند إلى شيء، أي مال إليه، وأسنده إلى الشيء، أي أماله فهو مسند، والتشديد للمبالغة، وإنما وصف الخشب بها، لأنها تشبه الأشجار القائمة التي تنمو وتثمر بوجه ما، ثم نسبهم إلى الجبن وعابهم به، فقال: * (يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو) * وقال مقاتل: إذا نادى مناد في العسكر، وانفلتت دابة، أو نشدت ضالة مثلا ظنوا أنهم يرادون بذلك لما في قلوبهم من الرعب، وذلك لأنهم على وجل من أن يهتك الله أستارهم، ويكشف أسرارهم، يتوقعون الإيقاع بهم ساعة فساعة، ثم أعلم (الله) رسوله بعداوتهم فقال: * (هم العدو فاحذرهم) * أن تأمنهم على السر ولا تلتفت إلى ظاهرهم فإنهم الكاملون في العداوة بالنسبة إلى غيرهم وقوله تعالى: * (قاتلهم الله أنى يؤفكون) * مفسر وهو دعاء عليهم وطلب من ذاته أن يلعنهم ويخزيهم وتعليم للمؤمنين أن يدعوا بذلك، و * (أنى يؤفكون) * أي يعدلون عن الحق تعجبا من جهلهم وضلالتهم وظنهم الفاسد أنهم على الحق.
وقوله تعالى: * (وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله) * قال الكلبي: لما نزل القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم بصفة المنافقين مشى إليه عشائرهم من المؤمنين وقالوا: لهم ويلكم افتضحتم بالنفاق وأهلكتم أنفسكم فأتوا رسول الله وتوبوا إليه من النفاق واسألوه أن يستغفر لكم، فأبوا ذلك وزهدوا في الاستغفار فنزلت، وقال ابن عباس لما رجع عبد الله بن أبي من أحد بكثير من الناس مقته المسلمون وعنفوه وأسمعوه المكروه فقال له بنو أبيه: لو أتيت رسول صلى الله عليه وسلم حتى يستغفر لك ويرضى عنك، فقال: لا أذهب إليه، ولا أريد أن يستغفر لي، وجعل يلوي رأسه فنزلت. وعند الأكثرين، إنما دعى إلى الاستغفار لأنه قال: * (ليخرجن الأعز منها الأذل) * (المنافقون: 8) وقال: * (لا تنفقوا على من عند رسول الله) * (المنافقون: 7) فقيل له: تعال يستغفر لك رسول الله فقال: ماذا قلت: فذلك قوله تعالى: * (لووا رؤوسهم) * وقرئ: * (لووا) * بالتخفيف والتشديد للكثرة والكناية قد تجعل جمعا والمقصود واحد وهو كثير في أشعار العرب قال جرير: لا بارك الله فيمن كان يحسبكم * إلا على العهد حتى كان ما كانا وإنما خاطب بهذا امرأة وقوله تعالى: * (ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون) * أي عن استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر تعالى أن استغفاره لا ينفعهم فقال: * (سواء عليهم أستغفرت لهم) * قال قتادة: نزلت هذه الآية بعد قوله: * (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) * وذلك لأنها لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خيرني ربي فلأزيدنهم على السبعين " فأنزل الله تعالى: * (لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين) * قال ابن عباس: المنافقين، وقال قوم: فيه بيان أن الله تعالى يملك هداية وراء هداية البيان، وهي خلق فعل الاهتداء فيمن علم منه ذلك، وقيل: معناه لا يهديهم لفسقهم وقالت المعتزلة: لا يسميهم المهتدين إذا فسقوا وضلوا وفي الآية مباحث: