قال لمن بعدهم: إنهم كانوا يعبدونهم فعبدوهم، ولهذا السبب نهى الرسول عليه السلام عن زيارة القبور أولا، ثم أذن فيها على ما يروى أنه عليه السلام قال: كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإن في زيارتها تذكرة السادس: الذين يقولون إنه تعالى جسم، وإنه يجوز عليه الانتقال والحلول، لا يستبعدون أن يحل تعالى في شخص إنسان، أو في شخص صنم، فإذا أحسوا من ذلك الصنم المتخذ على وجه الطلسم حالة عجيبة، خطر ببالهم أن الإله حصل في ذلك الصنم ولذلك فإن جمعا من قدماء الروافض لما رأوا أن عليا عليه السلام قلع باب خيبر، وكان ذلك على خلاف المعتاد قالوا: إن الإله حل في بدنه وإنه هو الإله الوجه السابع: لعلهم اتخذوا تلك الأصنام كالمحراب ومقصودهم بالعبادة هو الله، فهذا جملة ما في هذا الباب، وبعضها باطلة بدليل العقل، فإنه لما ثبت أنه تعالى ليس بجسم بطل اتخاذ الصنم على صورة الإله، وبطل القول أيضا بالحلول والنزول، ولما ثبت أنه تعالى هو القادر على كل المقدورات، بطل القول بالوسايط والطلسمات، ولما جاء الشرع بالمنع من اتخاذ الصنم، بطل القول باتخاذها محاريب وشفعاء.
المسألة السادسة: هذه الأصنام الخمسة كانت أكبر أصنامهم، ثم إنها انتقلت عن قوم نوح إلى العرب، فكان ود لكلب، وسواع لهمدان، ويغوث لمذحج، ويعوق لمراد، ونسر لحمير ولذلك سمت العرب بعبد ود، وعبد يغوث، هكذا قيل في الكتب، وفيه إشكال لأن الدنيا قد خربت في زمان الطوفان، فكيف بقيت تلك الأصنام، وكيف انتقلت إلى العرب، ولا يمكن أن يقال: إن نوحا عليه السلام وضعها في السفينة وأمسكها لأنه عليه السلام إنما جاء لنفيها وكسرها فكيف يمكن أن يقال إنه وضعها في السفينة سعيا منه في حفظها.
المسألة السابعة: قرىء: * (لا تذرن ودا) * بفتح الواو وبضم الواو، قال الليث: ود بفتح الواو صنم كان لقوم نوح، ود بالضم صنم لقريش، وبه سمي عمرو بن عبد ود، وأقول: على قول الليث وجب أن لا يجوز ههنا قراءة ود بالضم لأن هذه الآيات في قصة نوح لا في أحوال قريش وقرأ الأعمش: * (ولا يغوثا ويعوقا) * بالصرف وهذه قراءة مشكلة لأنهما إن كانا عربيين أو عجميين ففيهما سببا منع الصرف، إما التعريف ووزن الفعل، وإما التعريف والعجمة، فلعله صرفهما لأجل أنه وجد أخواتهما منصرفة ودا وسواعا ونسرا.
واعلم أن نوحا لما حكى عنهم أنهم قالوا لأتباعهم: * (لا تذرن آلهتكم) * قال: * (وقد أضلوا كثيرا) * فيه وجهان: الأول: أولئك الرؤساء قد أضلوا كثيرا قبل هؤلاء الموصين (بأن يتمسكوا) بعبادة الأصنام وليس هذا أول مرة اشتغلوا بالإضلال الثاني: يجوز أن يكون الضمير عائدا إلى الأصنام، كقوله: * (إنهن أضللن كثيرا من الناس) * (إبراهيم: 36) وأجرى الأصنام على هذا القول مجرى الآدميين كقوله: * (ألهم أرجل) *، وأما قوله تعالى: * (ولا تزد الظالمين إلا ضلالا) * ففيه سؤالان: الأول: كيف موقع قوله: * (ولا تزد الظالمين) *؟ الجواب: كأن نوحا عليه السلام لما