المسألة الثانية: * (مرج) *، إذا كان متعديا كان بمعنى خلط أو ما يقرب منه فكيف قال تعالى: * (من مارج من نار) * (الرحمن: 15) ولم يقل: من ممروج؟ نقول: مرج متعد ومرج بكسر الراء لازم فالمارج والمريج من مرج يمرج كفرح يفرح، والأصل في فعل أن يكون غريزيا والأصل في الغريزي أن يكون لازما، ويثبت له حكم الغريزي، وكذلك فعل في كثير من المواضع.
المسألة الثالثة: في البحرين وجوه أحدها: بحر السماء وبحر الأرض ثانيها: البحر الحلو والبحر المالح كما قال تعالى: * (وما يستوي البحران هذا عذاب فرات سائغ شرابه هذا ملح أجاج) * (فاطر: 12) وهو أصح وأظهر من الأول ثالثها: ما ذكر في المشرقين وفي قوله: * (تكذبان) * إنه إشارة إلى النوعين الحاصرين فدخل فيه بحر السماء وبحر الأرض والبحر العذب والبحر المالح، رابعها: أنه تعالى خلق في الأرض بحارا تحيط بها الأرض وببعض جزائرها يحيط الماء وخلق بحرا محيطا بالأرض وعليه الأرض وأحاط به الهواء كما قال به أصحاب علم الهيئة وورد به أخبار مشهورة، وهذه البحار التي في الأرض لها اتصال بالبحر المحيط، ثم إنهما لا يبغيان على الأرض ولا يغطيانها بفضل الله تعالى لتكون الأرض بارزة يتخذها الإنسان مكانا وعند النظر إلى أمر الأرض يحار الطبيعي ويتلجلج في الكلام، فإن عندهم موضع الأرض بطبعه أن يكون في المركز ويكون الماء محيطا بجميع جوانبه، فإذا قيل لهم: فكيف ظهرت الأرض من الماء ولم ترسب يقولون لانجذاب البحار إلى بعض جوانبها، فإن قيل: لماذا انجذب؟ فالذي يكون عنده قليل من العقل يرجع إلى الحق ويجعله بإرادة الله تعالى ومشيئته، والذي يكون عديم العقل يجعل سببه من الكواكب وأوضاعها واختلاف مقابلاتها، وينقطع في كل مقام مرة بعد أخرى، وفي آخر الأمر إذا قيل له: أوضاع الكواكب لم اختلفت على الوجه الذي أوجب البرد في بعض الأرض دون بعض آخر صار كما قال تعالى: * (فبهت الذي كفر) * (البقرة: 258) ويرجع إلى الحق إن هداه الله تعالى.
المسألة الرابعة: إذا كان المرج بمعنى الخلط فما الفائدة في قوله تعالى: * (يلتقيان) *؟ نقول قوله تعالى: * (مرج البحرين) * أي أرسل بعضهما في بعض وهما عند الإرسال بحيث يلتقيان أو من شأنهما الاختلاط والالتقاء ولكن الله تعالى منعهما عما في طبعهما، وعلى هذا يلتقيان حال من البحرين، ويحتمل أن يقال: من محذوف تقديره تركهما فهما يلتقيان إلى الآن ولا يمتزجان وعلى الأول: فالفائدة إظهار القدرة في النفع فإنه إذا أرسل الماءين بعضهما على بعض وفي طبعهما بخلق الله وعادته السيلان والالتقاء ويمنعهما البرزخ الذي هو قدرة الله أو بقدرة الله، يكون أدل على القدرة مما إذا لم يكونا على حال يلتقيان، وفيه إشارة إلى مسألة حكمية وهي: أن الحكماء اتفقوا على أن الماء له حيز واحد بعضه ينجذب إلى بعض كأجزاء الزئبق غير أن عند الحكماء المحققين ذلك بإجراء الله تعالى ذلك عليه وعند من يدعي الحكمة ولم يوفقه الله من الطبيعيين يقول: ذلك له بطبعه، فقوله: * (يلتقيان) * أي من شأنهما أن يكون مكانهما واحدا، ثم إنهما بقيا