الفارسي لفظ النظر يستعمل على ضروب أحدها: أن تريد به نظرت إلى الشيء، فيحذف الجار ويوصل الفعل، كما أنشد أبو الحسن: ظاهرات الجمال والحسن ينظرن * كما ينظر الأراك الظباء والمعنى ينظرن إلى الأراك وثانيها: أن تريد به تأملت وتدبرت، ومنه قولك: إذهب فانظر زيدا أيؤمن، فهذا يراد به التأمل، ومنه قوله تعالى: * (انظر كيف ضربوا لك الأمثال) * (الأسراء: 48)، * (انظر كيف يفترون على الله الكذب) * (النساء: 50)، * (انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض) * (الإسراء: 21) قال: وقد يتعدى هذا بإلى كقوله: * (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) * (الغاشية: 17) وهذا نص على التأمل، وبين وجه الحكمة فيه، وقد يتعدى بفي، كقوله: * (أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض) * (الأعراف: 185)، * (ولم يتفكروا في أنفسهم) * (الروم: 8) وثالثها: أن يراد بالنظر الرؤية كما في قوله: ولما بدا حوران والآل دونه * نظرت فلم تنظر بعينك منظرا والمعنى نظرت، فلم تر بعينك منظرا تعرفه في الآل قال: إلا أن هذا على سبيل المجاز، لأنه دلت الدلائل على أن النظر عبارة عن تقلب الحدقة نحو المرئي التماسا لرؤيته، فلما كانت الرؤية من توابع النظر ولوازمه غالبا أجرى على الرؤية لفظ النظر على سبيل إطلاق اسم السبب على المسبب قال: ويجوز أن يكون قوله: نظرت فلم تنظر، كما يقال: تكلمت وما تكلمت، أي ما تكلمت بكلام مفيد، فكذا هنا نظرت وما نظرت نظرا مفيدا ورابعها: أن يكون النظر بمعنى الانتظار، ومنه قوله تعالى: * (إلى طعام غير ناظرين إناه) * (الأحزاب: 53) أي غير منتظرين إدراكه وبلوغه، وعلى هذا الوجه يكون نظرت معناه انتظرت، ومجئ فعلت وافتعلت بمعنى واحد كثير، كقولهم: شويت واشتويت، وحقرت واحتقرت، إذا عرفت هذا فقوله: * (أنظرونا) * يحتمل وجهين الأول: أنظرونا، أي انتظرونا، لأنه يسرع بالمؤمنين إلى الجنة كالبروق الخاطفة، والمنافقون مشاة والثاني: أنظرونا أي أنظروا إلينا، لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم، والنور بين أيديهم فيستضيئون به، وأما قراءة (أنظرونا) مكسورة الظاء فهي من النظرة والإمهال، ومنه قوله تعالى: * (أنظرني إلى يوم يبعثون) * (الحجر: 36) وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإنظار المعسر، والمعنى أنه جعل اتئادهم في المشي إلى أن يلحقوا بهم إنظارا لهم.
واعلم أن أبا عبيدة والأخفش كانا يطعنان في حصة هذه القراءة، وقد ظهر الآن وجه صحتها. المسألة الثالثة: اعلم أن الاحتمالات في هذا الباب ثلاثة أحدها: أن يكون الناس كلهم في الظلمات، ثم إنه تعالى يعطي المؤمنين هذه الأنوار، والمنافقون يطلبونها منهم وثانيها: أن تكون الناس كلهم في الأنوار، ثم إن المؤمنين يكونون في الجنات فيمرون سريعا، والمنافقون يبقون وراءهم فيطلبون منهم الانتظار وثالثها: أن يكون المؤمنون في النور والمنافقون في الظلمات، ثم المنافقون يطلبون النور مع المؤمنين، وقد ذهب إلى كل واحد من هذه الاحتمالات قوم، فإن كانت هذه الحالة إنما تقع