وعلى هذا سنبين فساد قول من رد على الفقهاء قولهم في باب الزكاة: يعطى شيئا أعلى مما وجب ويأخذ الجبران أو يعطى شيئا دونه، ويعطى الجبران أيضا، حيث قال: الجبران مصدر لا يؤخذ ولا يعطى، فيقال له هو كالقرآن بمعنى المقروء، ويجوز أن يقال: لما أخذ جابر أو مجبور أو يقال: هو اسم لما يجبر به كالقربان.
المسألة الثالثة: إذا كان هذا الكلام للرد على المشركين فهم ما كانوا ينكرون كونه مقروءا فما الفائدة في قوله: * (إنه لقرآن) *؟ نقول فيه وجهان أحدهما: أنه إخبار عن الكل وهو قوله: * (قرآن كريم) * فهم كانوا ينكرون كونه قرآنا كريما وهم ما كانوا يقرون به وثانيهما: وهو أحسن من الأول، أنهم قالوا: هو مخترع من عنده وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إنه مسموع سمعته وتلوته عليكم فما كان القرآن عندهم مقروءا، وما كانوا يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن وفرق بين القراءة والإنشاء، فلما قال: * (إنه لقرآن) * أثبت كونه مقروءا على النبي صلى الله عليه وسلم ليقرأ ويتلى فقال تعالى: * (إنه لقرآن) * سماه قرآنا لكثرة ما قرىء، ويقرأ إلى الأبد بعضه في الدنيا وبعضه في الآخرة.
المسألة الرابعة: قوله: * (كريم) * فيه لطيفة؟ وهي أن الكلام إذا قرىء كثيرا يهون في الأعين والآذان، ولهذا ترى من قال: شيئا في مجلس الملوك لا يذكره ثانيا، ولو قيل فيه: يقال لقائله لم تكرر هذا، ثم إنه تعالى لما قال: * (إنه لقرآن) * أي مقروء قرىء ويقرأ، قال: * (كريم) * أي لا يهون بكثرة التلاوة ويبقى أبد الدهر كالكلام الغض والحديث الطري، ومن هنا يقع أن وصف القرآن بالحديث مع أنه قديم يستمد من هذا مددا فهو قديم يسمعه السامعون كأنه كلام الساعة، وما قرع سمع الجماعة لأن الملائكة الذين علموه قبل النبي بألوف من السنين إذا سمعوه من أحدنا يتلذذون به التذاذ السامع بكلام جديد لم يذكر له من قبل، والكريم اسم جامع لصفات المدح، قيل: الكريم هو الذي كان طاهر الأصل ظاهر الفضل، حتى إن من أصله غير زكي لا يقال له كريم مطلقا، بل يقال له: كريم في نفسه، ومن يكون زكي الأصل غير زكي النفس لا يقال له: كريم إلا مع تقييد، فيقال: هو كريم الأصل لكنه خسيس في نفسه، ثم إن السخي المجرد هو الذي يكثر عطاؤه للناس، أو يسهل عطاؤه ويسمى كريما، وإن لم يكن له فضل آخر لا على الحقيقة ولكن ذلك لسبب، وهو أن الناس يحبون من يعطيهم، ويفرحون بمن يعطى أكثر مما يفرحون بغيره، فإذا رأوا زاهدا أو عالما لا يسمونه كريما، ويؤيد هذا أنهم إذا رأوا واحدا لا يطلب منهم شيئا يسمونه كريم النفس لمجرد تركه الاستعطاء لما أن الأخذ منهم صعب عليهم وهذا كله في العادة الرديئة، وأما في الأصل فيقال: الكريم هو الذي استجمع فيه ما ينبغي من طهارة الأصل وظهور الفضل، ويدل على هذا أن السخي في معاملته ينبغي أن لا يوجد منه ما يقال بسببه إنه لئيم، فالقرآن أيضا كريم بمعنى طاهر الأصل ظاهر الفضل لفظه فصيح، ومعناه صحيح لكن القرآن أيضا كريم على مفهوم العوام فإن كل من