فإن قيل: لما كان خبر العبد مقبولا إذا رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن رقه مانعا من قبول خبره كذلك لا يمنع من قبول شهادته. قيل له: ليس الخبر أصلا للشهادة فلا يجوز اعتبارها به، ألا ترى أن خبر الواحد مقبول في الأحكام ولا تجوز شهادة الواحد فيها؟
وأنه يقبل فيه فلان عن فلان ولا يقبل في الشهادة إلا على جهة الشهادة على الشهادة؟
وأنه يجوز قبول خبره إذا قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تجوز شهادة الشاهد إلا أن يأتي بلفظ الشهادة والسماع والمعاينة لما يشهد به؟ فإن الرجل والمرأة متساويان في الأخبار مختلفان في الشهادة، لأن شهادة امرأتين بشهادة رجل وخبر الرجل والمرأة سواء، فلا يجوز الاستدلال بقبول خبر العبد على قبول شهادته. قال أبو بكر: قال محمد بن الحسن: (لو أن حاكما حكم بشهادة عبد ثم رفع إلي أبطلت حكمه، لأن ذلك مما أجمع الفقهاء على بطلانه).
وقد اختلف الفقهاء في شهادة الصبيان، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر:
لا تجوز شهادة الصبيان في شئ) وهو قول ابن شبرمة والثوري والشافعي. وقال ابن أبي ليلى: (تجوز شهادة بعضهم على بعض). وقال مالك: (تجوز شهادة الصبيان فيما بينهم في الجراح ولا تجوز على غيرهم، وإنما تجوز بينهم في الجراح وحدها قبل أن يتفرقوا ويجيئوا ويعلموا، فإن افترقوا فلا شهادة لهم إلا أن يكونوا قد أشهدوا على شهادتهم قبل أن يتفرقوا، وإنما تجوز شهادة الأحرار الذكور منهم ولا تجوز شهادة الجواري من الصبيان والأحرار).
قال أبو بكر: روي عن ابن عباس وعثمان وابن الزبير إبطال شهادة الصبيان، وروي عن علي إبطال شهادة بعضهم على بعض، وعن عطاء مثله. وروى عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت قال: قيل للشعبي: إن إياس بن معاوية لا يرى بشهادة الصبيان بأسا؟ فقال الشعبي: حدثني مسروق أنه كان عند علي كرم الله وجهه، إذا جاءه خمسة غلمة فقالوا:
كنا ستة نتغاط في الماء فغرق منا غلام، فشهد الثلاثة على الاثنين أنهما غرقاه وشهد الاثنان أن الثلاثة غرقوه. فجعل على الاثنين ثلاثة أخماس الدية وعلى الثلاثة خمسي الدية. إلا أن عبد الله بن حبيب غير مقبول الحديث عند أهل العلم، ومع ذلك فإن معنى الحديث مستحيل لا يصدق مثله عن علي رضي الله عنه، لأن أولياء الغريق إن ادعوا على أحد الفريقين فقد أكذبوهم في شهادتهم على غيرهم، وإن ادعوا عليهم كلهم فهم يكذبون الفريقين جميعا، فهذا غير ثابت عن علي كرم الله وجهه.
ومما يدل على بطلان شهادة الصبيان قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى) وذلك خطاب للرجال البالغين، لأن الصبيان لا يملكون عقود