تلزم بالفوات غير جائز فعلها قبل الفوات لعدم وقتها وسببها، ودم الإحصار يجوز ذبحه والإحلال به قبل الفوات، باتفاق منا ومن مخالفينا، فدل ذلك على أن الدم هو للإحلال لا على أنه قائم مقام العمرة. ولا يسوغ لمالك والشافعي أن يجعلا دم الإحصار قائما مقام العمرة الواجبة بالفوات، لأنهما يقولان: (الذي يفوته الحج عليه مع عمرة الفوات هدي) فهدي الإحصار عندهما هو الذي يلزم بالفوات، فلا يقوم مقام العمرة كما لا يقوم مقامه بعد الفوات.
فإن قيل: فأنت تجيز صوم ثلاثة أيام المتعة بعد إحرام العمرة قبل يوم النحر، وهو بدل من الهدي، والهدي نفسه لا يجوز ذبحه قبل يوم النحر. قيل له: إنما جاز ذلك لوجود سبب المتعة وهو العمرة، فجاز تقديم بعض الصوم على وقت ذبح الهدي، ولم يوجد للمحصر سبب للزوم العمرة لأن سببه إنما هو طلوع الفجر يوم النحر قبل الوقوف بعرفة، فلذلك لم يقم الدم مقام العمرة التي تلزم بالفوات. ويدل على أن الدم غير قائم مقام العمرة التي تلزم بالفوات أنه يلزم المعتمر وهو لا يخشى الفوات، لأنها غير موقتة، فدل ذلك على أن هذا الدم لا يتعلق بالفوات وأنه موضوع لتعجيل الإحلال بدلالة أنه لم يختلف فيه حكم ما يخشى فوته وحكم ما لا يخشى فوته في لزوم الدم.
فإن قيل: في حديث الحجاج بن عمرو الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل) ولم يذكر فيه عمرة، ولو كانت واجبة معه لذكرها كما ذكر وجوب قضاء الحج. قيل له: ولم يذكر دما، ومع ذلك فلا يجوز له أن يحل إلا بدم، وإنما أراد عليه السلام الإخبار عن الإحصار بالمرض ووجوب قضاء ما يحل فيه.
وقد ذهب عبد الله بن مسعود وابن عباس في رواية سعيد بن جبير إلى أن قوله عقيب ذكر حكم المحصر: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) أراد به العمرة التي تجب بالإحلال من الحج إذا جمعها إلى الحج الذي أحل منه في أشهر الحج، فعليه الفداء، وروي عن ابن عباس قول آخر في المحصر، وهو ما رواه عبد الرزاق قال: حدثنا الثوري عن ابن أبي نجيح عن عطاء ومجاهد عن ابن عباس قال: (الحبس حبس العدو، فإن حبس وليس معه هدي حل مكانه، وإن كان معه هدي حل به ولم يحل حتى ينحر الهدي وليس عليه حجة ولا عمرة). وقد روي عن عطاء إنكار ذلك على رواية رواها محمد بن بكر قال: أخبرنا ابن جريج عن عمرو بن دينار قال: قال ابن عباس: (ليس على من حصره العدو هدي) حسب أنه قال: (ولا حج ولا عمرة) قال ابن جريج: فذكرت ذلك لعطاء قلت: هل سمعت ابن عباس يقول ليس على المحصر هدي ولا قضاء إحصاره؟ قال: لا، وأنكره.
وهذه رواية لعمري منكرة خلاف نص التنزيل وما ورد بالنقل المتواتر عن الرسول صلى الله عليه وسلم،