ويدل عليه حديث ضباعة بنت الزبير، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (اشترطي وقولي إن محلي حيث حبستني) ومعنى ذلك إعلامها أن ذلك محلها، بدلالة الأصول أن موجب الإحرام لا ينتفي بالشرط ثم لم يوقت المحل.
ويحتج له من جهة النظر باتفاق الجميع على أن العمرة التي تحلل بها عند الفوات لا وقت لها إذا وجبت، كذلك هذا الدم لما وجب عند الإحصار وجب أن يكون غير موقت، لأنه يقع به إحلال على وجه الفسخ كعمرة الفوات.
قوله تعالى: (ولا تحلقوا رؤوسكم) هو نهي عن حلق الرأس في الإحرام للحاج والمعتمر جميعا، لأنه معطوف على قوله: (وأتموا الحج والعمرة لله) وقد اقتضى حظر حلق بعضنا رأس بعض وحلق كل واحد رأس نفسه، لاحتمال اللفظ للأمرين، كقوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) [النساء: 29] اقتضى النهي عن قتل كل واحد منا لنفسه ولغيره. فيدل ذلك على أن المحرم محظور عليه حلق رأس غيره، ومتى فعله لزمه الجزاء، ويدل على أن الذبح مقدم على الحلق في القران والتمتع لأنه عموم في كل من عليه حلق وهدي في وقت واحد، فيحتج فيمن حلق قبل أن يذبح أن عليه دما لمواقعته المحظور في تقديم الحلق على الهدي.
وقد اختلفوا في المحصر هل عليه حلق أم لا، فقال أبو حنيفة ومحمد: (لا حلق عليه). وقال أبو يوسف في إحدى الروايتين: (يحلق، فإن لم يحلق فلا شئ عليه)، وروي عنه أنه لا بد من الحلق، ولم يختلفوا في المرأة تحرم تطوعا بغير إذن زوجها، والعبد يحرم بغير إذن مولاه، أن للزوج والمولى أن يحللاهما بغير حلق ولا تقصير، وذلك بأن يفعل بهما أدنى ما يحظره الإحرام من طيب أو لبس. وهذا يدل على أن الحلق غير واجب على المحصر، لأن هذين بمنزلة المحصر، وقد جاز لمن يملك إحلالهما أن يحللهما بغير حلق، ولو كان الحلق واجبا وهو ممكن لكان عليه أن يحلل العبد بالحلق والمرأة بالتقصير. وأيضا فالحلق إنما ثبت نسكا مرتبا على قضاء المناسك، ولم يثبت على غير هذا الوجه، فغير جائز إثباته نسكا إلا عند قيام الدلالة، إذ قد ثبت أن الحلق في الأصل ليس بنسك، ويقاس بهذه العلة على العبد والمرأة أن المولى والزوج لما جاز لهما إحلال العبد والمرأة بغير حلق ولا تقصير إذا لم يفعلا سائر المناسك التي رتب عليها الحلق، وجب أن يجوز لسائر المحصرين الإحلال بغير حلق لهذه العلة.
ويدل على ذلك أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة حين أمرها برفض العمرة قبل استيعاب أفعالها (انقضى رأسك وامتشطي ودعي العمرة واغتسلي وأهلي بالحج) فلم يأمرها بالحلق ولا بالتقصير حين لم تستوعب أفعال العمرة، فدل ذلك على أن من جاز له الإحلال من