هذا الجسم الكثيف المشاهد، فهو يقول إن الله تعالى يلطف أجزاء منه بمقدار ما تقوم به البنية الحيوانية ويوصل النعيم إليه وتكون تلك الأجزاء اللطيفة بحيث يشاء الله تعالى أن تكون تعذب أو تنعم على حسب ما يستحقه، ثم يفنيه الله تعالى كما يفني سائر الخلق قبل يوم القيامة، ثم يحييه يوم القيامة للحشر، وقد حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد ابن إسحاق المروزي قال: حدثنا الحسن بن يحيى بن أبي الربيع الجرجاني: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن كعب بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نسمة المسلم طير تعلق في شجر الجنة حتى يرجعها إلى جسده).
قوله تعالى: (ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) إلى قوله تعالى: (وأولئك هم المهتدون). روي عن عطاء والربيع وأنس بن مالك أن المراد بهذه المخاطبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة.
قال أبو بكر: جائز - والله أعلم - أن يكون قدم إليهم ذكر ما علم أنه يصيبهم في الله من هذه البلايا والشدائد لمعنيين، أحدهما: ليوطنوا أنفسهم على الصبر عليها إذ وردت فيكون ذلك أبعد من الجزع وأسهل عليهم بعد الورود. والثاني: ما يتعجلون به من ثواب توطن النفس، قوله تعالى: (وبشر الصابرين) يعني والله أعلم على ما قدم ذكره من الشدائد، وقوله تعالى: (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) يعني إقرارهم في تلك الحال بالعبودية والملك له وأن له أن يبتليهم بما يشاء تعريضا منه لثواب الصبر واستصلاحا لهم لما هو أعلم به، إذ هو تعالى غير متهم في فعل الخير والصلاح، إذ كانت أفعاله كلها حكمة. ففي إقرارهم بالعبودية تفويض الأمر إليه ورضى بقضائه فيما يبتليهم به، إذ لا يقضي إلا بالحق كما قال تعالى: (والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشئ) [غافر: 20]. وقال عبد الله بن مسعود: (لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أقول لشئ قضاه الله تعالى ليته لم يكن).
وقوله تعالى: (إنا لله وإنا إليه راجعون) إقرار بالبعث والنشور واعتراف بأن الله تعالى سيجازي هذا الصابرين على قدر استحقاقهم فلا يضيع عنده أجر المحسنين.
ثم أخبر بما لهم عند الله تعالى عند الصبر على هذه الشدائد في طاعة الله تعالى فقال: (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) يعني الثناء الجميل والبركات والرحمة