الوقوف، وهما من فروض الحج! قيل له: لم نقل إن من لا يفعل إلا بعد غيره فهو تبع فيلزمنا ما ذكرت، وإنما قلنا: مالا يفعل إلا على وجه التبع لأفعال الحج أو العمرة فهو تابع ليس بفرض، فأما الوقوف بعرفة فإنه غير مفعول على وجه التبع لغيره بل يفعل منفردا بنفسه، ولكن من شروطه شيئان: الإحرام والوقت، وما كان شرطه الإحرام أو الوقت فلا دلالة على أنه مفعول على وجه التبع، وكذلك ما تعلق جوازه بوقت دون غيره فلا دلالة فيه على أنه تبع فرض غيره. وطواف الزيارة إنما يتعلق جوازه بالوقت، والوقوف بعرفة إنما يتعلق جوازه بالإحرام والوقت ليس صحته موقوفة على وقوع فعل آخر غير الإحرام، فليس هو إذا تبعا لغيره. وأما السعي بين الصفا والمروة فإنه مع حضور وقته هو موقوف على فعل آخر غيره وهو الطواف، فدل على أنه من توابع الحج والعمرة وأنه ليس بفرض، فأشبه طواف الصدر لما كانت صحته موقوفة على طواف الزيارة كان تبعا في الحج ينوب عن تركه دم.
وقوله تعالى: (إن الصفا والمروة من شعائر الله) قد دل على أنه قربة، لأن الشعائر هي معالم للطاعات والقرب، وهو مأخوذ من الإشعار الذي هو الإعلام، ومن ذلك قولك: شعرت بكذا وكذا أي علمته، ومنه إشعار البدنة أي إعلامها للقربة، وشعار الحرب ابن علاماتها التي يتعارفون بها. فالشعائر هي المعالم للقرب، قال الله تعالى: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) [الحج: 32] وشعائر الحج معالم نسكه.
ومنه المشعر الحرام. فقد دلت الآية بفحواها على أن السعي بينهما قربة إلى الله تعالى في قوله: (من شعائر الله) ثم قوله: (فلا جناح عليه أن يطوف بهما)، فقد أخبرت عائشة وغيرها أنه خرج مخرج الجواب لمن سأل عنهما، وأن ظاهر هذا اللفظ لم ينف إرادة الوجوب وإن لم يدل عليه، وقد قامت الدلالة من غير الآية على وجوبه وهو ما قدمنا ذكره.
وقد اختلف أهل العلم في السعي في بطن الوادي، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أخبار مختلفة، ومذهب أصحابنا أن السعي فيه مسنون لا ينبغي تركه كالرمل في الطواف.
وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر: (أن النبي عليه السلام لما تصوبت قدماه في الوادي سعى حتى خرج منه). وروى سفيان بن عيينة عن صدقة قال: سئل ابن عمر:
أرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمل بين الصفا والمروة؟ قال: (كان في الناس فرملوا ولا أراهم فعلوا إلا برمله). وقال نافع: (كان ابن عمر يسعى في بطن الوادي). وروى مسروق (أن عبد الله بن مسعود سعى في بطن الوادي). وروى عطاء عن ابن عباس قال: (من شاء يسعى بمسيل مكة ومن شاء لم يسع) وإنما يعني الرمل في بطن الوادي. وروى سعيد بن جبير قال: