في الحج والعمرة وتركه يجزي عنه الدم). وقال الشافعي: (لا يجزي عنه الدم إذا تركه وعليه أن يرجع فيطوف).
قال أبو بكر: هو عند أصحابنا من توابع الحج يجزي عنه الدم لمن رجع إلى أهله مثل الوقوف بالمزدلفة ورمي الجمار وطواف الصدر. والدليل على أنه ليس من فروضه قوله عليه السلام في حديث الشعبي عن عروة بن مضرس الطائي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة فقلت: يا رسول الله جئت من جبل طي ما تركت جبلا إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال عليه السلام: (من صلى معنا هذه الصلاة ووقف معنا هذا الموقف وقد أدرك عرفة قبل ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه). فهذا القول منه عليه السلام ينفي كون السعي بين الصفا والمروة فرضا في الحج من وجهين، أحدهما: اخباره بتمام حجته وليس فيه السعي بينهما. والثاني: أن ذلك لو كان من فروضه لبينه للسائل لعلمه بجهله بالحكم.
فإن قيل: لم يذكر طواف الزيارة مع كونه من فروضه! قيل له: ظاهر اللفظ يقتضي ذلك، وإنما أثبتناه فرضا بدلالة.
فإن قيل: فهذا يوجب أن لا يكون مسنونا ويكون تطوعا، كما روي عن أنس وابن الزبير! قيل له: كذلك يقتضي ظاهر اللفظ، وإنما أثبتناه مسنونا في توابع الحج بدلالة.
ومما يحتج به لوجوبه أن فرض الحج مجمل في كتاب الله، لأن الحج في اللغة القصد:
قال الشاعر:
يحج مأمومة في قعرها لجف يعني أنه يقصد. ثم نقل في الشرع إلى معان أخر لم يكن اسما موضوعا لها في اللغة، وهو مجمل مفتقر إلى البيان. فمهما ورد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو بيان للمراد بالجملة، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا ورد مورد البيان فهو على الوجوب، فلما سعى بينهما النبي عليه السلام كان ذلك دلالة الوجوب حتى تقوم دلالة الندب. ومن جهة أخرى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خذوا عني مناسككم) وذلك أمر يقتضي إيجاب الاقتداء به في سائر أفعال المناسك، فوجب الاقتداء به في السعي بينهما. وقد روى طارق بن شهاب عن أبي موسى قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالبطحاء فقال: (بم أهللت؟) فقلت: أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (أحسنت! طف بالبيت والصفا والمروة ثم أحل!) فأمره بالسعي بينهما، وهذا أمر يقتضي الإيجاب. وقد روي فيه حديث مضطرب السند والمتن جميعا مجهول الراوي، وهو ما رواه معمر عن واصل مولى أبي عيينة، عن موسى بن أبي عبيد، عن صفية بنت شيبة، عن امرأة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة يقول: (كتب عليكم