ذوي السهام المفروضة سهامهم من ميراثه. وهذه العلة هي العلة التي من أجلها سمى للأم ما سمى لها، إذا لم يكن الميت خلف وارثا غير أبويه، لان الأم ليست بعصبة في حال للميت، فبين الله جل ثناؤه لعباده ما فرض لها من ميراث ولدها الميت، وترك ذكر من له الثلثان الباقيان منه معها، إذ كان قد عرفهم في جملة بيانه لهم من له بقايا تركة الأموال بعد أخذ أهل السهام سهامهم وفرائضهم، وكان بيانه ذلك معينا لهم على تكرير حكمه مع كل من قسم له حقا من ميراث ميت وسمى له منه سهما.
القول في تأويل قوله تعالى: * (فإن كان له إخوة فلأمه السدس) *.
إن قال قائل: وما المعنى الذي من أجله ذكر حكم الأبوين مع الاخوة، وترك ذكر حكمهما مع الأخ الواحد؟ قلت: اختلاف حكمهما مع الاخوة الجماعة والأخ الواحد، فكان في إبانة الله جل ثناؤه لعباده حكمهما فيما يرثان من ولدهما الميت مع إخوته غنى، وكفاية عن أن حكمهما فيما ورثا منه غير متغير عما كان لهما، ولا أخ للميت، ولا وارث غيرهما، إذ كان معلوما عندهم أن كل مستحق حقا بقضاء الله ذلك له، لا ينتقل حقه الذي قضى به له ربه جل ثناؤه، عما قضى به له إلى غيره، إلا بنقل الله ذلك عنه إلى من نقله إليه من خلقه، فكان في فرضه تعالى ذكره للأم ما فرض، إذا لم يكن لولدها الميت وارث غيرها وغير والده، لوائح الدلالة الواضحة للخلق أن ذلك المفروض هو ثلث مال ولدها الميت حق لها واجب، حتى يغير ذلك الفرض من فرض لها، فلما غير تعالى ذكره ما فرض لها من ذلك مع الاخوة الجماعة وترك تغييره مع الأخ الواحد، علم بذلك أن فرضها غير متغير عما فرض لها إلا في الحال التي غيره فيها من لزم العباد طاعته دون غيرها من الأحوال.
ثم اختلف أهل التأويل في عدد الاخوة الذين عناهم الله تعالى ذكره بقوله: * (فإن كان له إخوة) * فقال جماعة أصحاب رسول الله (ص) والتابعين لهم بإحسان ومن بعدهم من علماء أهل الاسلام في كل زمان: عنى الله جل ثناؤه بقوله: * (فإن كان له إخوة فلأمه السدس) * اثنين كان الاخوة أو أكثر منهما، أنثيين كانتا أو كن إناثا، أو ذكرين كانا أو كانوا ذكورا، أو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى. واعتل كثير ممن قال ذلك بأن ذلك قالته الأمة عن بيان الله جل ثناؤه على لسان رسوله (ص)، فنقلته أمة نبيه نقلا مستفيضا قطع العذر مجيئه، ودفع الشك فيه عن قلوب الخلق وروده.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول: بل عنى الله جل ثناؤه بقوله:
* (فإن كان له إخوة) *: جماعة أقلها ثلاثة. وكان ينكر أن يكون الله جل ثناؤه حجب الأم عن