فكذلك حكمه إذا بلغ وله مال في يدي وصي أبيه أو في يد حاكم قد ولي ماله لطفولته، واجب عليه تسليم ماله إليه، إذا كان عاقلا بالغا، مصلحا لماله، غير مفسد، لان المعنى الذي به يستحق أن يولي على ماله الذي هو في يده، هو المعنى الذي به يستحق أن يمنع يده من ماله الذي هو في يد ولي، فإنه لا فرق بين ذلك. وفي إجماعهم على أنه غير جائز حيازة ما في يده في حال صحة عقله وإصلاح ما في يده، الدليل الواضح على أنه غير جائز منع يده مما هو له في مثل ذلك الحال، وإن كان قبل ذلك في يد غيره لا فرق بينهما. ومن فرق بين ذلك عكس عليه القول في ذلك، وسئل الفرق بينهما من أصل أو نظير، فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله. فإن كان ما وصفنا من الجميع إجماعا، فبين أن الرشد الذي به يستحق اليتيم إذا بلغ فأونس منه دفع ماله إليه، ما قلنا من صحة عقله وإصلاح ماله.
القول في تأويل قوله تعالى: * (فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا) *.
يعني بذلك تعالى ذكره: ولاة أموال اليتامى، يقول الله لهم: فإذا بلغ أيتامكم الحلم، فآنستم منهم عقلا وإصلاحا لأموالهم، فادفعوا إليهم أموالهم، ولا تحبسوها عنهم.
وأما قوله: * (ولا تأكلوها إسرافا) * يعني: بغير ما أباحه الله لكم. كما:
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة والحسن: * (ولا تأكلوها إسرافا) * يقول: لا تسرف فيها.
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: * (ولا تأكلوها إسرافا) * قال: يسرف في الأكل.
وأصل الاسراف: تجاوز الحد المباح إلى ما لم يبح، وربما كان ذلك في الافراط، وربما كان في التقصير، غير أنه إذا كان في الافراط، فاللغة المستعملة فيه أن يقال: أسرف يسرف إسرافا، وإذا كان كذلك في التقصير، فالكلام منه: سرف يسرف سرفا، يقال:
مررت بكم فسرفتكم، يراد منه: فسهوت عنكم وأخطأتكم، كما قال الشاعر:
أعطوا هنيدة يحدوها ثمانية * ما في عطائهم من ولا سرف