فإن قال قائل: فإن أمر الله ونهيه على الايجاب والالزام حتى تقوم حجة بأن ذلك على التأديب والارشاد والاعلام، وقد قال تعالى ذكره: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * وذلك أمر، فهل من دليل على أنه من الامر الذي هو على غير وجه الالزام والايجاب؟ قيل:
نعم، والدليل على ذلك قوله: * (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) * فكان معلوما بذلك أن قوله:
* (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * وإن كان مخرجه مخرج الامر، فإنه بمعنى الدلالة على النهي عن نكاح ما خاف الناكح الجور فيه من عدد النساء، لا بمعنى الامر بالنكاح. فإن المعني به: وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فتحرجتم فيهن، فكذلك فتحرجوا في النساء، فلا تنكحوا إلا ما أمنتم الجور فيه منهن، ما أحللته لكم من الواحدة إلى الأربع. وقد بينا في غير هذا الموضع بأن العرب تخرج الكلام بلفظ الامر، ومعناها فيه النهي أو التهديد والوعيد، كما قال جل ثناؤه: * (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) * وكما قال:
* (ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون) * فخرج ذلك مخرج الامر، والمقصود به التهديد والوعيد، والزجر والنهي، فكذلك قوله: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * بمعنى النهي، فلا تنكحوا إلا ما طاب لكم من النساء. وعلى النحو الذي قلنا في معنى قوله: * (أو ما ملكت أيمانكم) * قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: * (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) * يقول: فإن خفت ألا تعدل في واحدة، فما ملكت يمينك.
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: * (أو ما ملكت أيمانكم) *: السراري.
حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: * (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) * فإن خفت ألا تعدل في واحدة فما ملكت يمينك.
حدثني يحيى بن أبي طالب، قال: حدثنا يزيد، قال: ثنا جويبر، عن الضحاك، قوله: * (فإن خفتم ألا تعدلوا) * قال: في المجامعة والحب.
القول في تأويل قوله تعالى: * (ذلك أدنى أن لا تعولوا) *.