وإنما قلنا: إن ذلك أولى بتأويل الآية، لان الله جل ثناؤه افتتح الآية التي قبلها بالنهي عن أكل أموال اليتامى بغير حقها، وخلطها بغيرها من الأموال، فقال تعالى ذكره: * (وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا) *. ثم أعلمهم أنهم إن اتقوا الله في ذلك فتحرجوا فيه، فالواجب عليهم من اتقاء الله، والتحرج في أمر النساء مثل الذي عليهم من التحرج في أمر اليتامى، وأعلمهم كيف التخلص لهم من الجور فيهن، كما عرفهم المخلص من الجور في أموال اليتامى، فقال:
انكحوا إن أمنتم الجور في النساء على أنفسكم، ما أبحت لكم منهن وحللته، مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم أيضا الجور على أنفسكم في أمر الواحدة بأن تقدروا على إنصافها، فلا تنكحوها، ولكن تسروا من المماليك، فإنكم أحرى أن لا تجوروا عليهن، لأنهن أملاككم وأموالكم، ولا يلزمكم لهن من الحقوق كالذي يلزمكم للحرائر، فيكون ذلك أقرب لكم إلى السلامة من الاثم والجور، ففي الكلام إذ كان المعنى ما قلنا، متروك استغنى بدلالة ما ظهر من الكلام عن ذكره. وذلك أن معنى الكلام: وإن خفتم ألا تقسطوا في أموال اليتامى فتعدلوا فيها، فكذلك فخافوا ألا تقسطوا في حقوق النساء التي أوجبها الله عليكم، فلا تتزوجوا منهن إلا ما أمنتم معه الجور، مثنى وثلاث ورباع، وإن خفتم أيضا في ذلك فواحدة، وإن خفتم في الواحدة فما ملكت أيمانكم فترك ذكر قوله فكذلك فخافوا أن تقسطوا في حقوق النساء بدلالة ما ظهر من قوله تعالى: * (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) *.
فإن قال قائل: فأين جواب قوله: * (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) *؟ قيل: قوله:
* (فانكحوا ما طاب لكم) * غير أن المعنى الذي يدل على أن المراد بذلك ما قلنا: قوله:
* (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) *.
وقد بينا فيما مضى قبل أن معنى الأقساط في كلام العرب: العدل والانصاف، وأن القسط: الجور والحيف، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وأما اليتامى، فإنها جمع لذكران الأيتام وإناثهم في هذا الموضع. وأما قوله: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * فإنه يعني: فانكحوا ما حل لكم منهن دون ما حرم عليكم منهن. كما:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا ابن المبارك، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي مالك، قوله: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) *: ما حل لكم.