ومعنى الآية: إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، الذاكرين الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، يعني بذلك: قياما في صلاتهم وقعودا في تشهدهم وفي غير صلاتهم وعلى جنوبهم نياما. كما:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: * (الذين يذكرون الله قياما وقعودا) *... الآية، قال: هو ذكر الله في الصلاة وفي غير الصلاة، وقراءة القرآن.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: * (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) * وهذه حالاتك كلها يا ابن آدم، فاذكره وأنت على جنبك يسرا من الله وتخفيفا.
فإن قال قائل: وكيف قيل: * (وعلى جنوبهم) * فعطف بعلى، وهي صفة على القيام والقعود وهما اسمان؟ قيل: لان قوله: * (وعلى جنوبهم) * في معنى الاسم، ومعناه:
ونياما أو مضطجعين على جنوبهم، فحسن عطف ذلك على القيام والقعود لذلك المعنى، كما قيل: * (وإذا مس الانسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما) * فعطف بقوله: * (أو قاعدا أو قائما) * على قوله: * (لجنبه) *، لان معنى قوله: لجنبه مضطجعا، فعطف بالقاعد والقائم على معناه، فكذلك ذلك في قوله: * (وعلى جنوبهم) *.
وأما قوله: * (ويتفكرون في خلق السماوات والأرض) * فإنه يعني بذلك أنهم يعتبرون بصنعة صانع ذلك، فيعلمون أنه لا يصنع ذلك إلا من ليس كمثله شئ، ومن هو مالك كل شئ ورازقه، وخالق كل شئ ومدبره، من هو على كل شئ قدير، وبيده الاغناء والافقار، والاعزاز والاذلال، والاحياء والإماتة، والشقاء والسعادة.
القول في تأويل قوله تعالى: * (ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) *.
يعني بذلك تعالى ذكره: ويتفكرون في خلق السماوات والأرض، قائلين: * (ربنا ما خلقت هذا باطلا) * فترك ذكر قائلين، إذ كان فيما ظهر من الكلام دلالة عليه، وقوله: * (ما خلقت هذا باطلا) * يقول: لم تخلق هذا الخلق عبثا ولا لعبا، لم تخلقه إلا لأمر عظيم من ثواب وعقاب ومحاسبة ومجازاة، وإنما قال: ما خلقت هذا باطلا، ولم يقل: ما خلقت