فإن قال قائل: وما كان السبب الذي من أجله افترقت الطائفتان اللتان ذكرهما الله عز وجل فيما افترقتا فيه من صفتهما، فآمنت إحداهما بنفسها حتى نعست، وأهمت الأخرى نفسها حتى ظنت بالله غير الحق ظن الجاهلية؟ قيل: كان سبب ذلك فيما ذكر لنا، كما:
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل قال: ثنا أسباط، عن السدي: أن المشركين انصرفوا يوم أحد بعد الذي كان من أمرهم وأمر المسلمين، فواعدوا النبي (ص) بدرا من قابل، فقال لهم: نعم فتخوف المسلمون أن ينزلوا المدينة، فبعث رسول الله (ص) رجلا، فقال: انظر فإن رأيتهم قعدوا على أثقالهم وجنبوا خيولهم، فإن القوم ذاهبون، وإن رأيتهم قد قعدوا على خيولهم وجنبوا على أثقالهم، فإن القوم ينزلون المدينة، فاتقوا الله واصبروا! ووطنهم على القتال، فلما أبصرهم الرسول تعدوا على الأثقال سراعا عجالا، نادى بأعلى صوته بذهابهم، فلما رأى المؤمنون ذلك صدقوا نبي الله (ص)، فناموا، وبقي أناس من المنافقين يظنون أن القوم يأتونهم، فقال الله عز وجل يذكر حين أخبرهم النبي (ص) إن كانوا ركبوا الأثقال فإنهم منطلقون فناموا: * (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم ويظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية) *.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال:
قال ابن عباس: أمنهم يومئذ بنعاس غشاهم، وإنما ينعس من يأمن، * (يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية) *.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن حميد، عن أنس بن مالك، عن أبي طلحة، قال: كنت فيمن أنزل عليه النعاس يوم أحد أمنة، حتى سقط من يدي مرارا.
قال أبو جعفر: يعني: سوطه، أو سيفه.
حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، عن أبي طلحة، قال: رفعت رأسي يوم أحد، فجعلت ما أرى أحدا من القوم إلا تحت حجفته يميد من النعاس.