قلت يا أبا محمد، فإن الله يقول: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت) قال: كان ذاك بعد.
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر إبراهيم خليله أنه وابنه إسماعيل رفعا القواعد من البيت الحرام. وجائز أن يكون ذلك قواعد بيت كان أهبطه مع آدم، فجعله مكان البيت الحرام الذي بمكة. وجائز أن يكون ذلك كان القبة التي ذكرها عطاء مما أنشأه الله من زبد الماء. وجائز أن يكون كان ياقوتة أو درة أهبطا من السماء. وجائز أن يكون كان آدم بناه ثم انهدم حتى رفع إبراهيم قواعده وإسماعيل. ولا علم عندنا بأي ذلك كان من أي، لان حقيقة ذلك لا تدرك إلا بخبر عن الله وعن رسوله (ص) بالنقل المستفيض، ولا خبر بذلك تقوم به الحجة فيجب التسليم لها، ولا هو إذ لم يكن به خبر على ما وصفناه مما يدل عليه بالاستدلال والمقاييس فيمثل بغيره، ويستنبط عمله من جهة الاجتهاد، فلا قول في ذلك هو أولى بالصواب ما قلنا. والله تعالى أعلم.
القول في تأويل قوله تعالى: (ربنا تقبل منا) يعني تعالى ذكره بذلك: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) يقولان:
(ربنا تقبل منا) وذكر أن ذلك كذلك في قراءة ابن مسعود، وهو قول جماعة من أهل التأويل، ذكر من قال ذلك:
1690 - موسى بن هارون، قال: ثنا عمروا، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: يبنيان وهما يدعوان الكلمات التي ابتلي بها إبراهيم ربه، قال: (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم).
1691 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج عن ابن جريح، قال: أخبرني ابن كثير، قال: ثنا سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) قال: هما يرفعان القواعد من البيت، ويقولان: (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) قال: إسماعيل يحمل الحجارة على رقبته والشيخ يبني.
فتأويل الآية على هذا القول: وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل قائلين:
ربنا تقبل منا.
وقال آخرون: بل قائل ذلك كان إسماعيل.