بعدك من أهل الايمان بي وبرسلي، فتقدمهم أنت، ويتبعون هديك، ويستنون بسنتك التي تعمل بها بأمري إياك ووحيي إليك.
القول في تأويل قوله تعالى: قال ومن ذريتي.
يعني جل ثناؤه بذلك، قال إبراهيم لما رفع الله منزلته وكرمه، فأعلمه ما هو صانع به من تصييره إماما في الخيرات لمن في عصره ولمن جاء بعده من ذريته وسائر الناس غيرهم يهتدي بهديه ويقتدي بأفعاله وأخلاقه: يا رب ومن ذريتي فاجعل أئمة يقتدي بهم كالذي جعلتني إماما يؤتم به ويتقدى بي مسألة من إبراهيم ربه سأله إياها. كما:
1602 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: قال إبراهيم: ومن ذريتي يقول: فاجعل من ذريتي من يؤتم به ويقتدي به.
وقد زعم بعض الناس أن قول إبراهيم: ومن ذريتي مسألة منه ربه لعقبه أن يكونوا على عهده ودينه، كما قال: واجنبني وبني أن نعبد الأصنام فأخبر الله جل ثناؤه أن في عقبه الظالم المخالف له في دينه بقوله: لا ينال عهدي الظالمين.
والظاهر من التنزيل يدل على غير الذي قاله صاحب هذه المقالة لان قول إبراهيم صلوات الله عليه: ومن ذريتي في إثر قول الله جل ثناؤه: إني جاعلك للناس إماما فمعلوم أن الذي سأله إبراهيم لذريته لو كان غير الذي أخبر ربه أنه أعطاه إياه لكان مبينا ولكن المسألة لما كانت مما جرى ذكره، اكتفى بالذكر الذي قد مضى من تكريره وإعادته، فقال: ومن ذريتي بمعنى: ومن ذريتي فاجعل مثل الذي جعلتني به من الإمامة للناس.
القول في تأويل قوله تعالى: قال لا ينال عهدي الظالمين.
هذا خبر من الله جل ثناؤه عن أن الظالم لا يكون إماما يقتدي به أهل الخير، وهو من الله جل ثناؤه جواب لما توهم في مسألته إياه أن يجعل من ذريته أئمة مثله، فأخبر أنه فاعل ذلك إلا بمن كان من أهل الظلم منهم، فإنه غير مصيره كذلك، ولا جاعله في محل أوليائه عنده بالتكرمة بالإمامة لان الإمامة إنما هي لأوليائه وأهل طاعته دون أعدائه والكافرين به.
واختلف أهل التأويل في العهد الذي حرم الله جل ثناؤه الظالمين أن ينالوه، فقال بعضهم: ذلك العهد هو النبوة. ذكر من قال ذلك: